مثلهما مثل زوجين كان قد مضى على زواجهما وقت طويل ثم مرّا بمحنة الانفصال، يجد كل من أميركا والأمم المتحدة الآن، أنهما لا يستطيعان الاستغناء عن بعضهما بعضا. فالولايات المتحدة التي عانت الأمرّين من العناصر السياسية المتنازعة في العراق، تريد من الأمم المتحدة أن تساعدها الآن، في تنفيذ الخطط المعقّدة التي رسمتها لتسليم السلطة إلى العراقيين في موعد غايته الأول من يوليو القادم. أما الأمم المتحدة التي تم تهميش دورها منذ أن بدأت الحرب العراقية، فتتلهّف على القيام بدور في مرحلة ما بعد الحرب، إذا ما كان القيام بذلك ممكنا دون أن يتم تحويلها إلى كبش فداء لأميركا.
بالنسبة لواشنطن يعتبر تسليم السلطة إلى العراقيين مسألة في غاية الأهمية، لأن هذه الخطوة تحديدا هي مفتاح تحقيق الاستقرار والتقدم الاقتصادي في العراق، وما يترتب عليهما من تحقيق لرؤية إدارة بوش بشأن الديمقراطية والرخاء في العالم العربي.
ولكن هل سيتم تسليم السلطة بشكل سلس، وفي الوقت المحدد ؟ إجابة هذا السؤال ليست معروفة حتى الآن، وذلك بسبب الجدل المحتدم في العراق حول خطة الولايات المتحدة لتعيين نواب في الجمعية التشريعية، وأعضاء في الحكومة التي ستحكم حتى إجراء الانتخابات العام القادم (2005) في الوقت الذي يصر فيه " الزعيم الشيعي "آية الله علي السيستاني" على إجراء انتخابات مباشرة لاختيار جمعية تشريعية انتقالية. والعثور على بداية الخيط الذي سيقود الولايات المتحدة إلى الخروج من ورطة العراق، يعد مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لآمال الرئيس بوش الانتخابية، وخصوصا أن الحظوظ المتحولة لمرشحي الحزب الديمقراطي، تجعل مسألة الحاجة إلى تحقيق استقرار في العراق قبل حلول موعد الانتخابات أكثر أهمية من غيرها.
وعلى رغم أننا لا نزال في المراحل التمهيدية من السباق الانتخابي للمرشحين الديمقراطيين، فإن الأفول المبدئي لهوارد دين في ولاية إيوا ، وارتفاع حظوظ السيناتور جون كيري في الانتخابات الأولية التي جرت هناك مؤخرا، يعني أن بوش سيواجه منافسة أكثر شراسة من تلك التي كان سيواجهها فيما لو كان " دين" هو الذي فاز في تلك الانتخابات. لماذا؟ لأن السيناتور " كيري" لو انتهى به الأمر بأن أصبح هو المنافس الديمقراطي أمام بوش في الانتخابات، فإنه سيشكل خصما رهيبا بالنسبة للرئيس، باعتباره من المحاربين القدامى في فيتنام، ومن الحاصلين على أوسمة عسكرية فيها، ولأنه من أعنف المنتقدين لإدارة بوش، بسبب الطريقة التي أدارت بها عملية إعادة الإعمار في العراق بعد الحرب.
وإذا ما تمكنت أميركا من الحصول على إذن من الأمم المتحدة للشروع في عملية نقل السلطة في العراق، فإن ذلك سيكون أمرا في غاية الحيوية لها. أما بالنسبة للأمم المتحدة فسوف يكون الطلب الأميركي بمثابة فرصة للمنظمة الدولية، لا شك أنها لن تجعلها تضيع من يديها. فبعد أن قللت الولايات المتحدة من شأنها في أثناء فترة استعدادها لخوض الحرب على العراق، ووصفتها بأنها قد أصبحت "غير ذات صفة"، فإن الفرصة التي غدت متاحة أمامها الآن في العراق، ستكون الفرصة الأخيرة كي ترسخ نفسها كقوة يحسب لها حساب في حقل الدبلوماسية الدولية في عالم متغير.
وهذه النقطة ستكون دون شك على رأس النقاط التي سيقوم " أنان" بوضعها في اعتباره وهو يقلب الرأي في مسألة التدخل في المشكلة العراقية، وخصوصا أن تلك المشكلة هي التي قوضت وضعية الأمم المتحدة، وألحقت بها ضررا نفسيا ومعنويا رهيبا، بعد تفجير مقرها الرئيسي في بغداد .
ولكن السيد " أنان" ليس غريبا عن المخاطر التي واجهت عمليات صنع السلام والمحافظة عليه، والتي قامت بها المنظمة الدولية في أماكن أخرى من العالم ، ولا يغيب عن ذهنه كذلك النجاحات العديدة التي حققتها في هذا المضمار. وأنا شخصيا عملت بالقرب منه عندما شغلت- لمدة عام واحد- منصب مساعد السكرتير العام للأمم المتحدة عام 1995، بينما كان هو مسؤولا في ذلك الوقت، عن عمليات حفظ السلام التي تقوم بها المنظمة الدولية في جميع أنحاء العالم .
علاوة على ما سبق، تتمتع الأمم المتحدة بخبرة وتجربة كبيرة في إجراء المفاوضات السياسية الصعبة. ويمكننا في هذا الصدد أن نذكي اسم مرشح منطقي يمكنه أن يقوم بمهمة العراق، وهو السيد الأخضر الإبراهيمي، وهو رجل مسلم ، ودبلوماسي جزائري سابق ، نجح في جمع العناصر السياسية المتنازعة في أفغانستان معا، كما تولى القيام بمهام حرجة لحفظ السلام تحت راية الأمم المتحدة في دول أخرى.
والأشياء التي سيقوم " أنان " بموازنتها هي احتمال نجاح الأمم المتحدة في العراق، وماهية الدور الذي يمكنها أن تقوم به هناك، ودرجة الخطر التي يمكن أن تتعرض له أطقم المنظمة الدولية. فبعد أن تقوم الأمم المتحدة ب" صنع السلام" قد يتعين عليها " المحافظة " عليه، وإن كان هذا سيتوقف بالطبع على الكيفية التي سيتطور بها الوضع في العراق، وعلى الضغوط التي ستتعرض لها أميركا لسحب جيشها من هناك. ومن المعروف أن قوات حفظ السلام التابعة