يوم السبت الماضي، أي في اليوم السابق لوفاة سامي عبد الرحمن، جلست وإياه في غرفة المعيشة في بيت الضيافة الحكومي الفاخر ودار بيننا نقاش حول أساليب التفاوض التي يتبعها الأميركيون. وقد تحولت علاقتي بالراحل سامي إلى صداقة عندما هربنا معاً على جناح السرعة من بلدته الدهوك في شمال العراق بعد أن انهارت الانتفاضة الكردية عام 1991. وقد أصبح سامي نائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الكردية المحلية، وصار في السنة الماضية أحد المفاوضين في المناقشات الدائرة حول الدستور العراقي في المجلس الانتقالي. وتسنى لسامي أن يكون على اطلاع تام على واحد من أساليب التفاوض الأميركية، وهو الأسلوب الذي يقتضي إخفاء الاختلافات بلغة ذات ظاهر منمّق. وقال سامي عندما أخذ إجازته إنه سوف يتفحص بعناية فائقة الاقتراح الأميركي لكي يرى إن كانت التغييرات التجميلية الظاهرية في لغة الاقتراح قد أخفت تحتها خسارة حكومته للسلطة الحقيقية.
كان سامي عبد الرحمن واحداً من بين المسؤولين الحكوميين الأكراد الستة رفيعي المستوى الذين لقوا مصرعهم إلى جانب ما لا يقل عن ستين شخصاً آخرين في التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا مكاتب الحزبين الكرديين الرئيسيين. وقد قمت بزيارة أحد الموقعين المستهدفين يوم الاثنين الماضي فرأيت أن حجم الدمار كان هائلاً وواضحاً في الأثاث المشوّه والجدران المنهارة وآثار الحريق وبرك الدم القاني. ومن المعلوم أن الزعماء الأكراد مجموعة شديدة الترابط بحكم النسب والقربى والزواج، وقد عملوا معاً لعقود من السنين وعبر الأجيال. وتولّدت في نفوس هؤلاء صدمة شديدة عندما رأوا الموت يخطف هذا العدد الكبير من الأشخاص وبهذه الطريقة المريعة.
على أن الأكراد من الناحية السياسية يتمتعون على الأرجح بقدرة على تحمل الخسائر تفوق قدرة غيرهم من الفئات العراقية التي تستهدفها الهجمات المماثلة، حيث قام 4 ملايين كردي على مدى 12 سنة بإدارة شمال العراق كدولة مستقلة قائمة فعلاً، كما قاموا بإنشاء المؤسسات التي تقدم لهم أسباب الاستمرار. وقد تجمع زعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في المسجد الرئيسي في أربيل حيث مكثوا طوال ساعات شهدت تدفق جموع سكّان أربيل إلى المسجد الجامع لأداء صلاة الجنازة هنا على ضحايا الانفجار. ولم ينخرط حينئذ أحد في مناقشة العواقب السياسية لهذه الهجمات، لكن من المؤكد أن يجري شيء من النقاش بعد انقشاع الغبار، حيث ستتزايد الضغوط الشعبية على كلا الحزبين بغية إنهاء تقاسم الإقليم ما بين حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني هنا في الشمال وحكومة الاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية إلى الجنوب من أربيل. وفي الواقع أن الحزبين قد اتفقا على شروط إقامة حكومة موحدة.
وعلى وجه العموم بقيت الأراضي الكردية حتى يوم الأحد خالية من داء الارهاب والفوضى الذي ابتليت به المناطق العراقية الأخرى. ففي شهر أبريل احتج الأكراد على مطالبة الأميركيين بتفكيك القيود المفروضة على الحدود التي تفصل المنطقتين الكرديتين معاً عن بقية أراضي العراق المحرّر. وقد تذرع المحتجون بحجة مفادها أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إتاحة الفرصة أمام الإرهاب للدخول إلى أراضيهم. وعندما لان الأميركيون وخففوا من حدة مطالبهم تلك بعد أشهر ومع تزايد الفوضى في الجنوب واتساع نطاقها، شعر الكثير من الأكراد بأن الأوان قد فات. ولذلك فإن الهجمات التي وقعت يوم الأحد الماضي ستعزّز الشكوك التي تنتشر على نطاق واسع بين الأكراد حول قيام اتحاد أوثق مع بغداد.
أما بول بريمر، الحاكم الإداري الأعلى في العراق، فيمارس الضغوط على الأكراد لدفعهم إلى التخلي عن السلطات التي يمارسونها الآن. غير أن الأكراد يريدون الاحتفاظ بالسيطرة على النفط الموجود في منطقتهم، كما يريدون استمرار تمتعهم بصلاحيات حصرية لفرض الضرائب إضافة إلى إبقاء الجيش العراقي خارج مناطقهم. لكن الأميركيين، وبدفع وتشجيع من الأتراك، يرون في هذه المطالب الكردية تمهيداً للانفصال عن العراق. أما الأكراد فإنهم في أية حال يعتبرون أن المسألة معنية بالأمن وليس بالسيادة المستقلة. وسبب ذلك أن الأكراد يرون في تحقق السيطرة على النفط وعملية فرض الضرائب ضماناً إضافياً لهم ضد أنظمة الحكم المستقبلية العراقية التي يتوقعون منها أن تعاملهم بطريقة تلك الأنظمة التي تعاقبت على بغداد طوال السنوات الثمانين الأولى من تاريخ الدولة العراقية الحديثة. وإضافة إلى ذلك تساور الأكراد شكوك حول مطالبة بول بريمر لهم باعتمادهم على الجيش العراقي الموحّد ومؤسسة الأمن الداخلي التي طالها الاصلاح، وهما المؤسستان المسؤولتان عن عقود عديدة من القمع أتت ذروتها في قيام صدّام حسين بشن عمليات الإبادة الجماعية ضد الأكراد في عقد الثمانينيات. ولذلك يميل الأكراد إلى الرغبة في الاحتفاظ بجيشهم الخاص المعروف الآن باسم قوات البشمرغة، كما يريدون وجود فقرة في الدستور العراقي الانتقالي تشترط موافقة السلطات الكردية على أي دخول