خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين فقدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) اتصالها مع المركبة الفضائية (سبيريت) (Spirit) أو الروح، والتي كانت قد حطت على سطح كوكب المريخ في الرابع من هذا الشهر· ورغم تكرار محاولات علماء وكالة الفضاء على مدار عدة أيام، لم تستجب المركبة إلا بمجرد إشارات سلكية ضوضائية (noise)· هذا الفشل حتى وإن تمكن العلماء من إصلاحه قبل نشر هذا المقال، يظهر حجم الصعوبات التي تتلازم مع استكشاف الكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية، ومدى خطورة الموقف إذا ما كان هناك رواد فضاء على متن تلك المركبات· وهو أيضاً ما يثير الشكوك في مصداقية وعملية وعد الرئيس الأميركي بإرسال رواد فضاء إلى سطح القمر في العقد القادم، ومن بعدها إلى المريخ· والغريب أن جورج بوش لم يكن معروف عنه اهتمامه باستكشاف الفضاء الخارجي أو حتى الداخلي، ولكنه بشكل أو آخر ربط نفسه وإدارته بالنجاح الذي حققته ناسا في بداية هذا الشهر، وأثار الكثير من مشاعر الفرح والفخر بين أفراد الشعب الأميركي· فبعد أقل من أسبوعين خرج جورج بوش على وسائل الإعلام بتصريحات وخطط، فاقت أحلام أكثر العلماء جنونا· ويمكن تلخيص (الرؤية الجديدة) لبوش الابن في مجال استكشاف الفضاء في النقاط التالية: أولاً؛ إرسال رواد فضاء إلى سطح القمر مرة أخرى بحلول عام 2015 وقبل عام 2020، ثانياً؛ استخدام هؤلاء الرواد والروبوتات الاستكشافية في بناء قاعدة إمداد وتوصيل إلى كوكب المريخ، ثالثاً؛ الاستمرار في استخدام مركبات المكوك الفضائي الحالية بشرط إحالتها جميعاً للتقاعد قبل عام 2010، رابعاً؛ اختراع وتطوير وسائل انتقال للفضاء الخارجي بديلة لمركبات المكوك المستخدمة حالياً بحلول عام 2008 كي تستخدم للاستكشاف الفضائي المأهول بحلول عام 2014، وخامساً وأخيراً؛ إنهاء الجزء الذي يخص الولايات المتحدة بحلول عام 2010·
هذه القائمة الطويلة والطموحة جداً من قبل الإدارة الأميركية الحالية، يرى البعض أنها مجرد دعاية انتخابية للرئيس الحالي مع بداية سنة الانتخابات في الولايات المتحدة· بينما يرى البعض الآخر أنها أحلام أو بالأحرى أوهام مستحيل تحقيقها، بسبب التكلفة المالية المرتبطة بكل بند من بنودها· فمثلاً البند الأول والمتعلق باستئناف الرحلات المأهولة إلى القمر، يقدر المختصون تكلفته بأكثر من 12 مليار دولار· أما البند الخاص بإرسال رحلات مأهولة إلى كوكب المريخ فقد دعا إليه سابقاً جورج بوش الأب في عام 1989، ولكن فشل المشروع في التحرك خطوة واحدة جهة التنفيذ بسبب التكلفة التي قدرت وقتها بحوالى الخمسمائة مليار دولار·
وفي الوقت الحالي الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من أكبر عجز في الميزانية في التاريخ، يؤمن الكثيرون أن طموحات بوش لم تكن بالفعل إلا شعارات أطلقها بهدف الاستهلاك المحلي من قبل الناخب الأميركي· وهو أيضاً ما يجعلنا ندرك بسهولة أن كل تلك الأهداف وما تتطلبه من نفقات ما لية باهظة، ستكون بضاعة من الصعب بيعها للشعب الأميركي، وخصوصاً بعد ما كانت وكالة الفضاء الأميركية تتعرض منذ وقت غير بعيد للانتقادات الحادة، بسبب ما أنفقته من آلاف المليارات من الدولارات دون أن تعود رحلاتها وتيلسكوباتها بفوائد ومنافع واضحة على الجنس البشري· فوكالة الفضاء الأميركية التي تعمل منذ عقود في مجال بحوث الفضاء، تكلف دافع الضرائب الأميركي مليارات الدولارات سنوياً· هذا في الوقت الذي يطالب فيه الشعب الأميركي من إدارته خفض مستويات الضرائب التي يدفعها سنوياً· وفي ظل عجز في الميزانية الأميركية هذا العام، وهو الأعلى على الإطلاق· وأيضاً في ظل العجز الآخر والمتزايد للولايات المتحدة وغيرها من (الدول المانحة)، في العثور على بضعة ملايين من الدولارات في ميزانياتهم، لغرض مكافحة الفقر والمرض وما يجلباه معهما من مآسٍ لمعظم شعوب العالم في جميع أصقاع الأرض·
انتشار مثل هذا التفكير المنطقي في ضرورة الموازنة بين تكلفة البرامج الفضائية وبين العائد المجني منها، سببه النفقات المالية الهائلة التي تطلبتها النجاحات العلمية في مجال استكشاف الفضاء الخارجي حتى الآن، وستظل تتطلبها خلال العقود القليلة القادمة· فحتى وإن كانت لا توجد احصائيات تقدر مجموع النفقات المالية التي أنفقها السوفييت ومعهم الأميركيون منذ بداية عقد الخمسينيات على برامجهم الفضائية، إلا أنه يمكننا أن نقدر ولو بشكل جزافي إجمالي تكاليف البرامج الفضائية على مدار ثلاثة عقود من خلال الأرقام المتاحة لنا حالياً· فمثلاً سوف تتعدى ميزانية وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) العام القادم الخمسة عشر مليار دولار· بينما قامت وكالة الفضاء الأوروبية والمعروفة اختصاراً بـ(إسا) في الصيف الماضي، بإعطاء الضوء الأخضر لضخ مليار يورو في صناعة الصواريخ الفضائية الأوروبية· ولا يقتصر الأمر على الأميركيين والأوروبيين، بل يمتد إلى اليابانيين الذين يخططون لإرسال مسبار إلى كوكب عطارد بتكلفة 13.5 مليار ين· وهناك أيضاً الصينيون الذين نجحوا في إرسال أول ص