من منزله في مدينة ليز ساميت في ولاية ميسوري الأميركية، كتب مايلز جي جونز عشرات الآلاف من الوصفات الطبية عبر الإنترنت لزبائنه الساعين إلى تناول عقارات مثل فياغرا وليفيترا وكزينيكال وغيرها. ويرى هذا الطبيب ابن الواحد والخمسين عاماً، والمتخصص في الباثولوجيا وتشريح الجثث لتحديد أسباب الوفاة، أنه يمارس مهنة الطب الأكثر تقدماً ويقدم للناس خدمة آمنة وملائمة.
غير أن للمشرعين في كل أميركا رأياً مختلفاً. وقد بادرت 13 ولاية حتى الآن-منها ولاية ميسوري- بسحب ترخيص مزاولة المهنة من جونز أو بتعليق العمل بها، وذلك بسبب كتابته الوصفات الطبية عبر الإنترنت. فكيف يتسنى لـ جونز الذي يشبّه نفسه بـ كولومبوس وغاليليو أن يواصل-دون ترخيص- كتابة الوصفات مع العلم بأن وصفات الفياغرا التي كتبها في عام 2003 بلغ عددها 5000 وصفة؟
يكمن الجواب في طبيعة الإنترنت نفسها، إذ يعترف جونز بأنه لا يزاول مهنة الطب في ميسوري، على رغم أنه ربما يراجع من حاسوبه الشخصي الاستبيانات الطبية التي ترده من المرضى. لكن الخادم الذي يستضيف (موقع جونز على الانترنت) موجود في ولاية بنسلفانيا حيث ما زال يحمل ترخيصاً ساري المفعول. ويعني ذلك أنه يمارس مهنة الطب في بنسلفانيا على حد قوله. ويقول جونز: (تلك هي طبيعة الإنترنت.. فليس مهماً أين أكون موجوداً. فمن الممكن أن أكون على متن طائرة في كاليفورنيا أو في جنيف سويسرا)· وقد أدت السهولة الكبيرة التي أتاحت لجونز أن يلتف على الهيئات واللجان الطبية الحكومية، إلى طرح سؤال حول فرص نجاح المشرّعين في مواكبة النمو الانفجاري في كتابة الوصفات الطبية عبر الانترنت. وإذا حكمنا من خلال رأي جونز نفسه، فإن تلك الفرص ليست كبيرة.
ويقول جيمس ثومبسون كبير المديرين التنفيذيين في اتحاد الهيئات الطبية الحكومية لا شك في أن الإنترنت قد جلبت معها بعداً جديداً لتنظيم مزاولة مهنة الطب.. إن جونز -بغض النظر عن مكان تواجده- ينتهك المعايير المقبولة المعنية بالرعاية الطبية عندما يكتب وصفات لمرضى لا يعرفهم ولم يرهم على الإطلاق أو يفحصهم· لكن جونز يصف هذا الكلام بأنه هراء، كما وصف الاجراءات التأديبية المتخذة بحقه بأنها أشبه بمحاكم التفتيش الإسبانية. وقال جونز: رأيت أن العملية غير عادلة وغير علمية ولا تستند إلى أية مبادئ نؤمن بها نحن الأطباء·
وعلى رغم ذلك فإن جونز الذي تخرج من جامعة هاورد عام 1977 يبدو أنه يدرك التحديات التي تشكلها طبيعة الإنترنت، وقال في مقابلة أجريت معه: إن الإنترنت تثير سؤالاً حول ما إذا كان ينبغي وجود نوع من الترخيص الفيدرالي فيما يتعلق بالأطباء.. أنا أعتبر ممارسة الطب بهذا الشكل ممارسة على نطاق قومي، لا بل دُولي أيضاً. وهذه عملية ينبغي أن تخضغ للضوابط والمعالجة من جهة الحكومة الفيدرالية·
لكن من شأن التشريع الفيدرالي المقترح أن يتيح للنيابة العامة السعي إلى استصدار أحكام ليست في مصلحة الصيدليات والأطباء الذين يعملون عبر الولايات. وقال ثومبسون: إذا تم سن وتطبيق قانون كهذا، فإن جونز سيخرج من دائرة ممارسة المهنة·
وقال جونز إنه يعتزم مواجهة وتحدي المشرعين إلى أن يكونوا قادرين على إثبات أن ما يمارسه ليس آمناً، وأضاف: يمكنني أن أكون عنيداً، بل شديد العناد إلى أقصى حد·
ويمارس جونز مهنة تشريح الجثث لحساب جهات خاصة حين لا يتم إجراء التشريح الرسمي أو حين تريد عائلة المتوفى الاستئناس برأي ثان في أسباب الوفاة. ويقول جونز إنه ينفذ ما بين 50 إلى 1000 تشريح كل سنة، في مقابل أجر متوسطه 3500 دولار·
ويعمل جونز أيضاً في وظيفة مؤقتة لمرتين في السنة كاختصاصي باثولوجيا في أحد المستشفيات، وهو ما يفسر أنه في ذروته المهنية يحمل تراخيص مزاولة مهنة الطب في 27 ولاية أميركية. ويقوم جونز أيضاً بوظيفة شاهد خبير في المحاكم، كما أنه كان يقوم باستخلاص النسيج الجنيني لصالح مجموعة من الباحثين الطبيين.
وقال جونز إنه بدأ كتابة الوصفات الطبية عبر الإنترنت في عام 1998، وكان يتلقى في مقابل كل وصفة 25 دولاراً في بادئ الأمر، لكنه الآن يجني مبلغاً قدره 5000 دولار كل شهر. وفي غضون 5 سنوات جمع نحو 100 ألف دولار من كتابة الوصفات الدوائية عبر الإنترنت. ومن المثير للدهشة أن جونز لم يلتق إطلاقاً بأي من أصحاب الموقع الذي يعمل من خلاله، لا بل إنه لا يعرف من هم . وقال: إن أحد أصحاب الموقع موجود في البرازيل.. وأوراق الشركة، على حد علمي، موجودة في جزر الباهاما. أعلم أنها في مكان ما من البحر الكاريبي·
وصرّح جونز بأنه كتب الوصفات عبر الإنترنت لأكثر من 35 ألف مريض لحساب الموقع الأساسي وكذلك الموقع الآخر الفرعي. ومن الجدير ذكره هنا أن 8 من كل 10 من زبائن الموقع طلبوا الفياغرا، وهو العقار الشهير الذي يصفه الأطباء لمعالجة الخلل في وظيفة الانتصاب عند الذكور. وقد تمت الموافقة على كل تلك الطلبات باستثناء 100 منها. وقال جونز إن كفاءة الكومبيوترات وفاعليتها تتيح له أن يراجع على الانترنت في (دقيقة واحدة) الا