اللصوص أنواع فمنهم من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب. ومنهم من سرق كتابات غيره فرصع بها أعماله الأدبية. وأفظعها سرقة كتاب كامل ونسبه لشخصه الكريم كما حصل مع كتاب (الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم)، فوضع كاتب عربي اسمه تحت العنوان، والكتاب ليس له بل لأميركي اسمه مايكل هاردت. وبذلك أسأنا للنبي الذي نريد رفع شأنه فوضعنا اسمنا ونحن من أتباعه بين اللصوص الكاذبين. وأحسن الأميركي حينما رفع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس من أتباعه فكان من الصادقين. ومنهم من سرق مال الشعب فخرجت الجماهير العمياء تهتف له بالروح بالدم نفديك يا أبو الجماجم. وفي الألف الثانية قبل الميلاد لم يكن ينقص رعمسيس الثاني أصناماً لتعظيم ألوهيته، فقد بنى كفاية من الحجارة والنصب. ولكنه عمد إلى ما بنى من قبله من الفراعنة فشطب اسماءهم وكتب اسمه عليها. حتى جاء علماء الآثار فاكتشفوا التزوير. وهناك من الكتَّاب ما لا ينقصهم شهرة، ولكن الجشع كبير سواء في ملء البطن بالطعام أو الخزائن بالأموال أو الأعمال الفكرية بالاعتداء على عمل الآخرين وسرقة أفكارهم ونسبتها له كما فعل الكاتب الذي أشرنا إليه. ولو كتب أنه المترجم أو المنقح أو أي شيء ونسب الكتاب للأميركي مايكل هاردت لكان أبر وأتقى. ولكن أموراً من هذا النوع تمشي كما يقول ابن خلدون للغفلة على الناقد والصعوبة على المتعقب حتى يأتي خبير بالكتب فيكتشف السرقة شاهداً على العقم العربي في زمن التيه ويبقى الرجل يلمع متنكرا وهو في ثياب اللصوص. ونحن لو أحصينا ما كتبنا لما خرجت عن مجموعة من الأفكار أخذت من أناس شتى فإذا أرجعناها إلى أصحابها كما فعل إبراهيم مع الطير لم يبق لنا من أعمالنا إلا عشر معشار ما كتبنا.
ولكن ينطبق علينا كما قال اسحق نيوتن يوما -وتراني استشهد به- مثل الطفل الذي يعتلي ظهر عملاق فيرى مالا يرى العملاق. وعبقريات آينشتاين أو ابن خلدون أو جيمس واتسون لم تولد ضربة واحدة في الفيزياء وعلم الاجتماع والبيولوجيا. بل سبقتها أعمال أخرى، والذي تميز به الثلاثة هو التوليفة الجديدة فولد نوع جديد من كم سابق على قانون أن التراكم الكمي يقود إلى تغيير نوعي. وكل الجمال والقوة هو توثيق ما نقول بأقوال غيرنا فيخرج كلامنا ليس بدعة من القول بل إضافة له. وفي ألمانيا اشتريت يوما كتابا في الجراحة فكان المؤلف لا يذكر شيئاً إلا وقد وضع عدة أرقام فوق الجملة فلم أفهم حتى عرفت أن كل جملة لها أكثر من مرجع فعرفت معنى العمل العلمي ومشقته. والنبي صلى الله عليه وسلم كان في غاية التواضع حينما قال مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بيت اكتمل إلا في موضع لبنة منه فأنا خاتم النبيين وأنا هذه اللبنة. وعندما أهداني زميلي الكتاب المذكور عن الرجال العظام المائة في التاريخ البشري لفت نظري حسن الأداء فهو يضع مواصفات خاصة لطريقة انتخابه للرجال ليضع الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم رقم واحد. وخبرتي عن الكتَّاب العرب عموما أنهم غير مبدعين فتعجبت من هذا الإنجاز حتى اكتشفت أنه من عمل رجل فلكي ولكنه أنجز عملاً ثقافيا فذا. ومن أعجب ما كتب كاتبنا العربي أنه ما أضاف على الكتاب شيئا وأنه إن أهدى هذا الكتاب نسخة منه للأميركي فلسوف يفرح به. وبالطبع فإن الأميركي سوف يستاء جدا وقد يفكر في مقاضاته لأنه استولى على كتابه قبل موته. ولكن أرباح الكتاب في أميركا هائلة والقراء مثل رذاذ المطر مقابل سبعين مليون أمي في غابة العروبة. وكتاب قصة الفلسفة لويل ديورانت كان بيضة الذهب فأصبح الرجل من أرباح الكتاب مليونيرا فاعتزل كل شيء وتفرغ في ريف كاليفورينا لمدة خمسين عاما مع زوجته لإنتاج كتابه قصة الحضارة. ورواية (السجينة) لمليكة أوفقير سرق مرتين قبل أن يولد بعملية استنساخ لصوصية على يد طائفة من اللصوص السوريين. وفوجئت أنا بالذات بكتابي النقد الذاتي للحركات الإسلامية يباع في الأسواق منذ عشرين سنة ولا علم لي به، ولم يتصل بي أحد فيقول عفوا لك من حقوق التأليف كذا. وهو ليس أول ما يسرق. وكتابي الطب محراب الإيمان سرق بالجملة والمفرق. وفي يوم اطلعت على كتاب قد حمل فصولا كاملة منه بدون ذكر كلمة له. وكان في مصلحته أن يذكر ولكن بسبب عرينا الثقافي فنحن نعيش في غابة العربان مثل الغربان فلا نعرف حقوقا وواجبات. إنه عمل مخجل لأتباع الرسول وعمل مشرف لمن أنجز العمل فأرجع الفضل إلى أهله.