هناك كوارث طبيعية وحوادث متفرقة حدثت في العام 2003، وتختلف آثار تلك الكوارث والحوادث، ولكن هناك حدثاً واحداً هو السيئ فعلا في العام المنصرم، هو سقوط بغداد واحتلال العراق، كما أن هناك مشكلة واحدة هي الأخطر في عام 2003 وهي وليدة سنوات سابقة، ولكنها تطورت في العام المنصرم وهي مشكلة الإرهاب، وما عدا ذلك فهي أحداث قد تكون عادية وطبيعية ويمكن أن تحدث في أي عام· أما فلسطين فهي مشكلة كل عام وليس 2003 أو 2004·
وعلى سبيل المثال فإن من إيجابيات العام 2003 أنه شهد الاتفاق على إنهاء الحرب الطويلة في جنوب السودان، وعام 2004 سيتوج تلك الاتفاقات وستطوى صفحة أليمة من تاريخ السودان كلفته أرواح الآلاف من أبنائه من الشمال والجنوب، وبقيت فيه هذه الدولة العربية في موقع لم يسمح لها أن تطور نفسها وتلحق بركب العالم· ولكن قرار السودان الشجاع في 2003 بقلب هذه الصفحة وفتح صفحة جديدة كان بداية مهمة·
وكذلك شهد عام 2003 مفاجأة ليبية من العيار الثقيل بإعلان ليبيا بعد مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، عن تخليها عن أي برنامج لأسلحة الدمار الشامل· فقد أكدت ليبيا التزامها بكل من معاهدات حظر الانتشار النووي، ولم تكتف بذلك بل أكدت أنها (ستلعب دورها العالمي في بناء عالم خال من أسلحة الدمار الشامل)· كما قالت ليبيا إنها اتخذت هذا القرار بـ(إرادتها الحرة)، وبذلك تكون ليبيا قد عادت إلى المجتمع الدولي وقلبت صفحة قاسية من تاريخها· وقد يشهد هذا العام مصالحة مع الشعب الذي هاجر نصفه وقد يعود الجميع إلى ليبيا الجديدة·
أما إيران التي أكدت التقارير السرية للوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لم يتم العثور على (أي دليل) يثبت أنها تخطط لتطوير أسلحة نووية فإنها أعلنت عن تعليق برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم بعد أن وافقت أن تجري وكالة الطاقة الذرية عمليات تفتيش مباشرة ومفاجئة على منشآتها النووية، وبذلك تكون أثبتت للعالم حسن نواياها في العام 2003·
زوال نظام صدام حسين إلى الأبد والقبض على قادة حزب البعث كان من الأحداث المهمة والإنجازات الجيدة للعام 2003· مما سبق يتضح أن الدول التي كانت محور الشر بالنسبة للولايات المتحدة في عام 2002 استطاعت في عام 2003 أن تفوت الفرصة على الولايات المتحدة في اتخاذ أية خطوة قاسية ضدها كتلك التي اتخذت تجاه بغداد صدام·
أما الأحداث المهمة والتي تصب في مصلحة العالم العلمية منها والتقنية والطبية والاقتصادية والسياسية فهي كثيرة· ما يتعلق منها بالمنطقة العربية من الناحية السياسية والاستراتيجية فهي أهم ما في 2003 وعلى رأسها الحديث عن الإصلاح السياسي الداخلي والذي ما يزال مستمرا إلى اليوم وبعض الإصلاحات التي تم تنفيذها في بعض الدول مهم جدا··· واعتقد أن مجرد طرح هذا الموضوع بصوت عال وتبادل الآراء حوله بصورة عادية ومناقشة محاور الإصلاح علانية أمر في غاية الأهمية، ويكفي أن يكون هذا الحدث في العام 2003 حتى نقول إنه كان عاما جيدا على العرب· فقبل ذلك كان الحديث عن الإصلاح جريمة في بعض الدول وأبسط عقاب له هو اختفاء الذي يتجرأ فقط بالتفكير فيه··· لذا يبدو لي العام الماضي أنه ليس بالسوء الذي يصر البعض أن يصوره·
لقد أصبحت قضية الإصلاح السياسي في المنطقة العربية عموماً والمنطقة الخليجية خصوصاً هي الشاغل الأساسي للمهتمين بالشأن الخليجي· وتتسم عملية متابعة الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون بالصعوبة والتعقيد نظراً لتقاطع قضية التحول الديمقراطي مع قضية الأمن·
لاشك أن هناك تغييرا يحدث وهذا مهم، ولكن الأهم يكمن في كيفية السير بخطوات الإصلاح وبأي أسلوب وفي أي اتجاه··· ويجب أن نعرف هل سنتمكن من التحكم في خطوات الإصلاح أم أنها ستبقى عشوائية وتأتي على رؤوس الجميع وتقضي على ما بقي من ثوابت أصيلة وما بقي من شكل لهذه المجتمعات التي من الواضح أنها لا ترفض الإصلاح ولكنها تطالب بوضوح الرؤية وهو ما يجعل الكثيرين يتساءلون هل سيكون الإصلاح السياسي إصلاحنا نحن أم أنه إصلاح الآخرين وعلى هواهم؟!·
خريطة الإصلاح السياسي تتلخص في عدة نقاط هي احترام حقوق الإنسان وتطبيق قيم الديمقراطية وتفعيل المجتمع المدني واحترام سيادة القانون والمحاسبة والشفافية· وربما لا يختلف أي إنسان عاقل على هذه النقاط المهمة التي بلا شك أنها تدفع أي مجتمع إلى الأمام· وقد يكون الضغط من أجل تحقيق هذه الأمور مهماً جدا، ولكن في الوقت نفسه يجب أن ندرك أن تحقيق هذه الأمور لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة، فالمسألة في حاجة إلى وقت، وهذا ما يطالب به المحافظون والمقاومون للتغير والإصلاح ولا يختلف معهم أحد في شكل هذه الدعوة، ولكن في مضمونها يجب أن نكون واضحين· فالوقت الكافي أو المطلوب الذي يتحدث عنه البعض يجب أن لا يكون طويلا جدا، فإذا كنا نتفهم أن الضغط غير المدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية فإننا في الوقت نفسه ندرك تماما أن المماطلة والتأخير في تنفيذ الإصلاحات سيضيعان هذه الفرصة من أيدي الشعوب·
البعض ما يزال يصر