البيانات الخاصة بالبطالة في دول مجلس التعاون والتي وصلت في بعض البلدان إلى أكثر من 30% بين المواطنين، كما أشار إلى ذلك الأمير الوليد بن طلال، تثير الكثير من الحيرة والارتباك بين المراقبين والمحللين الاقتصاديين في دول المجلس، وخصوصا أن حجم العمالة الوافدة في البلدان الست يتجاوز 60% من إجمالي الأيدي العاملة، بما في ذلك السعودية وعمان والبحرين والتي تتميز بارتفاع نسبة السكان المواطنين إلى إجمالي مجموع السكان في هذه البلدان.
من وجهة النظر العلمية يشير ذلك بوضوح إلى وجود خلل هيكلي في سوق العمل وفي توزيع الاستثمارات في هذه البلدان، أكثر من أي شيء آخر، فدول المجلس لا زالت بحاجة للأيدي العاملة الأجنبية وبصورة مكثفة، فهناك العديد من القطاعات الاقتصادية التي لا يرغب المواطنون في العمل فيها لاعتبارات عديدة.
وفي الوقت نفسه تشكل مخرجات التعليم معضلة حقيقية، يتحمل القطاع العام عواقبها، فالإجراءات العملية المتخذة حتى الآن للتخفيف من البطالة تتركز في توليد بطالة مقنعة من خلال تضخيم الجهاز الوظيفي للقطاع العام، مما يرهق ميزانية الدولة ويحملها نفقات إضافية، ففي الآونة الأخيرة أقدمت بعض البلدان الخليجية على استحداث الآف الوظائف في المؤسسات الرسمية للعاطلين عن العمل، مما أدى إلى زيادة العجز في الميزانية واللجوء إلى الاقتراض الخارجي لتغطية هذا العجز، مما يعد سابقة في النظام المالي، ربما يترتب عليها التزامات مالية كبيرة في المستقبل.
واذا ما افترضنا، كما تشير البيانات الرسمية إلى تدفق عشرات الآلاف من المواطنين سنويا إلى سوق العمل، فإن قدرة القطاع العام على استيعاب هذه الاعداد ستتوقف عند مستوى محدود للغاية في الفترة القصيرة القادمة.
لذلك، فإن المعالجة الآنية ستكون وقتية ولا تحمل صفة الاستمرار، في حين تتوفر إمكانيات حقيقية لحل هذه العضلة على المدى البعيد، حيث يمكن في هذا الصدد وفي هذه العجالة الإشارة إلى جانبين مهمين، يكمن الأول في ارتباط البطالة وتوفر الوظائف من الناحية العملية بالنمو الاقتصادي، فنسب البطالة تزداد في ظل الركود والزيادة الكبيرة في أعداد السكان، والعكس صحيح، ففي أوقات الازدهار الاقتصادي تتقلص أعداد العاطلين إلى حدها الأدنى.
للتغلب على مشكلة البطالة لا بد من زيادة وتائر النمو الاقتصادي من خلال تنويع مصادر الدخل القومي وتنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية، مع تقليل الاعتماد الكبير للاقتصاديات الخليجية على عائدات النفط المتذبذبة.
أما الجانب الآخر، فيتعلق بتنمية الدور الاستثماري والاقتصادي للقطاع الخاص الخليجي، فالمرحلة السابقة والتي فرضت قيام القطاع العام بالدور المحوري في التنمية لا يمكن أن تستمر على النحو السابق، وبالأخص فيما يتعلق بتوفير فرص العمل، فالعلاقة بين توفير الدولة لفرص العمل وزيادة أعداد الباحثين عنه أصابها الكثير من التفاوت غير المتزن، مما يعني أن القطاع الخاص هو المؤهل عمليا لتوفير فرص عمل في المستقبل.
ليس من السهل حدوث مثل هذه النقلة النوعية في أسواق العمل بدول مجلس التعاون، فقيم العمل وجودته وقياسات الانتاجية تختلف كثيرا بين القطاعين العام والخاص، فالقطاع الخاص لا يتعامل ضمن الآلية الريعية، وإنما بآلية الربح والخسارة، فالعمالة الزائدة والبطالة المقنعة لا مكان لهما في أنشطته، في حين يحصل العاملون الماهرون والخبرات المؤهلة على رواتب وامتيازات كبيرة لا تتوفر في القطاع العام.
من هنا يصبح إحداث مثل هذه النقلة النوعية في قيم العمل وفي تغيير هيكلية سوق العمل في هذه البلدان مهمة صعبة ومعقدة، إلا أنه لا بد منها للتغلب على أزمة البطالة المتفاقمة في بعض دول المجلس والتي يمكن أن تتمخض عنها عواقب اجتماعية وخيمة.
بوجه عام، يمكن القول من إنه تتوفر الكثير من عوامل النجاح لهذا التوجه، وخصوصا أن القطاع الخاص الخليجي يملك من الإمكانيات المالية والخبرات ما يؤهله للمساهمة بصورة فعالة في حل مشكلة البطالة.
يتطلب ذلك توفير الظروف الملائمة للقطاع الخاص للعمل ضمن ظروف مواتية وخالية من التعقيدات الإدارية وتقديم كافة التسهيلات له، ليس على النطاق المحلي فحسب، وإنما على النطاق الخليجي من خلال انفتاح الأسواق الخليجية على بعضها وتشجيع الاستثمار المشترك والذي من خلاله يمكن إقامة الكثير من المشاريع المساهمة والمهمة لنمو الاقتصاديات الخليجية وتكاملها وحل المعضلات التي تواجهها، وفي مقدمتها معضلة البطالة.