مع انتقال وظائف قطاع البرمجيات نحو الهند وغيرها، بات من الممكن أن تخسر ولاية "كاليفورنيا" مكانتها كرأسمالٍ للتكنولوجيا العالمية. ولذلك يتساءل "وولتر ويلسون" في معظم الأحيان قائلاً: هل ينبغي يا تُرى أن أصبح سمكرياً!
ولا يعني ذلك أنه يكبت في أعماق نفسه ميلاً إلى ملابس السمكري وطرق إصلاح البورسلين، بل إن سبب تساؤله نابع من اعتقاده بأن مكانة وادي السيليكون الماضية قد صارت الآن في عداد الأموات.
منذ سنوات قليلة، كان "وولتر ويلسون" نجم ثورة السيليكون التي انطلقت في عالم تكنولوجيا الكمبيوتر. وبصفته مُطوّراً للبرمجيات، صار "ويلسون" بضاعة ثمينة جداً إلى درجة أن شركات التكنولوجيا الأميركية ناشدت الكونغرس السماح لمزيد من زملائه الأجانب بالدخول إلى الولايات المتحدة لتلبية متطلبات كان يبدو أنها كثيرة ولا حصر لعددها. لكن الأحوال انقلبت الآن وصار "ويلسون" عاجزاً عن العثور على عمل ثابت لنفسه.
إن انهيار اقتصاد التكنولوجيا أمر مؤلم، لكنه ليس ما دفع السيد "ويلسون" إلى الاستغراق في أحلامه التي يرى فيها نفسه حاملاً أسلاك وأدوات تسليك البلاليع المسدودة، بل كان ذلك بسبب الضغوط التي دفعته إلى أقصى حدود إمكانياته المالية بسبب إرسال المزيد والمزيد من وظائف قطاع تطوير البرمجيات إلى الهند.
وقد شهدت السنوات الماضية دأباً متواصلاً نحو تقليص التكاليف في كل الشركات بلا استثناء، بدءاً بشركات صناعة السيارات ووصولاً إلى شركات التسويق الهاتفي والمباشر، وذلك باستبدال العمال الأميركيين بعمال أرخص أجوراً يعيشون في خارج الولايات المتحدة· ولم تشذ شركات التكنولوجيا الأميركية عن هذا النهج. لكن شركات وادي السيليكون كانت دوماً ترفض إرسال الكفاءات المتميزة في مجال البحوث والتصميم إلى الخارج.
لكن وادي السيليكون في هذه الأيام صار يركب هذه الموجة ويتجه نحو استخدام العمالة الأجنبية فصار الخطر محدقاً بمستقبله كألمع نجم في عالم التكنولوجيا، إذ يعني ذلك الآن أن الكثير من العمال سيضطرون إلى إعادة تشكيل أنفسهم أو تغيير مكان إقامتهم. ويشير ذلك، على المستويات الأعمق، إلى رسم صورة مشهد متغير الألوان لـ "أودية السيليكون" في كل أرجاء العالم، وذلك مع توجه المهندسين الأجانب -الذين يقومون بالعمل لصالح شركات وادي السيليكون- إلى إنشاء شركاتهم الخاصة.
وفي هذا الواقع نجد النموذج ذاته الذي ساعد على تحقيق المكانة الفريدة التي كان وادي السيليكون الأميركي يتمتع بها، وذلك مع انفصال المصممين الشباب عن شركات مثل IBM وHewlett-Packard وتوجّههم إلى إنشاء شركاتهم وأعمالهم الخاصة. ويرغب قطاع صناعة التكنولوجيا الآن في الحصول على عمالة أرخص، وهو الأمر الذي يزرع بذور هذه النزعة في كل أنحاء الكرة الأرضية. ويقول "جيم كوخ" "مدير "المركز المعني بالعلوم والتكنولوجيا والمجتمع" في جامعة "سانتا كلارا"، بولاية كاليفورنيا: "إننا نشهد تحوّلاً جوهرياً...إن الابتكار يتحول حقاً إلى ظاهرة عالمية"·
وتشكّل الضرورة الاقتصادية، إلى حد ما، أحد أسباب هذه الظاهرة، حيث حدث ذلك الفائض الخرافي في عقد التسعينيات الماضي، لتأتي في أعقاب ذلك موجة الاقتصاد في الإنفاق والتي يتوقع فيها المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال أن يحققوا الأرباح الطائلة. ومن بين الردود الأكثر ثقة على تلك الموجة، برزت عملية تقليص تكاليف مرتبات العاملين، واستبدالهم بعمالة أجنبية من خارج الولايات المتحدة- وهي نزعة لا تستثني العمالة ذات المهارات المتقدمة والأجور الباهظة، ومنها مثلاً وظائف تصميم البرمجيات. ومن المفارقات، على رغم ذلك، أن ذلك التحول كان ممكناً بسبب النجاح الذي حققته ثورة الإنترنت في وادي السيليكون. وقد رجع الكثيرون من العمال الأجانب إلى بلادهم حاملين معهم مستوى جديداً من الخبرة، ولعل الأهم من ذلك أن التقدمات الحاصلة في السنوات القليلة الماضية قد أدت إلى إعادة تشكيل شبكة الاتصالات العالمية الجارية عبر شبكة الإنترنت والاتصالات الدولية والشبكات اللاسلكية.
عندما يفكر "فيك كولكارني" في مصير مهد عالم التكنولوجيا (أي وادي السيليكون الأميركي)، فإنه يأخذ الفكرة إلى خطوة أبعد ويوحي بأن فكرة وادي السيليكون بحد ذاتها قد بدأت تتحول إلى فكرة قديمة وعتيقة الطراز.
ويقول "فيك لكارني" رئيس شركة "سيكوينس ديزاين" التي تنتج برامج لتصميم رقائق الكمبيوتر: "نريد أن نمضي إلى حيثما تكون الموهبة موجودة"؛ ويستطرد قائلاً: "لم يبق في رأسي حدود سوى المناطق الزمنية. ليست هناك أية حدود جغرافية"·
وتعقد فرق المصممين اجتماعات في مختلف بلدان العالم، وهي اجتماعات تضم أيضاً في الوقت ذاته موظفين في الهند واليابان و"بوسطن" و"لندن". ويقول "كولكارني": "ليس لنا (في هذه الأماكن) مقر لشركتنا·· وإذا كنتُ مسافراً إلى اليابان مثلاً، ففي اليابان يكون المقر"·
وبوجود مكتب البحث والتصميم المؤلف من 20 شخصاً في مدينة دلهي، تتمتع شركة "سيكوينس ديزاين" التي يمتلكها "كولكارني" با