نحتفل هذه الأيام بعيد الأضحى المبارك، وهو مناسبة عظيمة يجتمع فيها الفرح بالعبادة والطاعة، وتلتقي فيها معان إنسانية وقيم سامية كثيرة، كالبذل والكرم والتضحية والبر بالوالدين وبالناس عامة، وفيها يعود العاملون في المدن بعيداً عن ذويهم فتلتئم الأسر، ويصل الناس أرحامهم، ويجددون العهد لمرابع صباهم، ويزيد الأطفال بضحكاتهم البريئة جو العيد بهجة على بهجته الأصلية، وهم يستلمون عيدياتهم، التي ما زالت، كعادة وممارسة ثقافية، شاهداً على جمال زمن مضى وذكريات باقية من أيام العطاء والبركة في المجتمعات العربية والإسلامية، التي تتعرض الآن لتغيير شامل في الملامح الثقافية، وفي المتعاطى من ضرورات وإملاءات زمن العولمة، وأيامه الهاربة من نفسها فوق صحون البث الفضائي والسماوات المفتوحة·
في يوم العيد هذا لا يجد الإنسان، شاء أم أبى، مفراً من مشاهدة ما تفرضه عليه فضائيات، لا ترحم، من "فرجة مجانية" على مظاهر أعياد أخرى تمزق نياط القلوب في أماكن كثيرة من وطننا العربي وعالمنا الإسلامي· فمن أين سيعرف الفرح طريقه إلى عيد تلك السيدة العربية البغدادية الأصيلة، كابراً عن كابر، التي فقدت الزوج، في إحدى حروب صدام العبثية، وفقدت الابن في إحدى مقابره الجماعية، وتعيش على وجع الماضي وغدر الزمان في كل لحظة وساعة· تحتال على أطفالها بقصص السندباد الجميلة ونار موقد وهمي كاذب، حتى يناموا جوعى، متطلعة إلى المقبل من أيام، آملة أن يكون حظهم أفضل وغدهم الآتي أرحم مما عرفت هي وجيلها من معاناة تندّ عن كل وصف، وجراح غائرة في الذاكرة، تفوق تحمل جيل بأكمله· وعلى فسحة الأمل هذه تنام تلك السيدة بدورها جائعة محتسبة، بعد أن ذهب الموجود والسكن والمولود·
من أين سيعرف الفرح طريقه إلى عيد ذلك المسن الفلسطيني الذي غيبت معتقلات الاحتلال وسجون شارون الرهيبة، فلذات كبده، وحوله يجتمع النساء والأحفاد، وما يفرضه العيد من التزامات مادية لا سبيل إليها ولا معين عليها، لذلك الرجل المسن الذي عضه الفقر المدقع بنابه، ومرّ أمام عينيه من الخطوب ما يهون معه فقر المخيم، وعاديات الزمان؟ من أين سيعرف الفرح طريقه إلى عيد جيل تلاحقه ذكريات اغتصاب فلسطين، والتهجير والحروب المتلاحقة، وتعاوده بوارح الحنين إلى البيوت والبيارات في يافا وحيفا وفي نابلس والبيرة ورام الله، وتلاحقه هناك بعيداً، وراء المدى، خلف المواقع والمرابع والذرى، عثرات عملية التسوية العصية، وضرورات واقع الاحتلال البغيض؟
من أين سيعرف الفرح طريقه، إلى عيد امرأة أفغانية تعود الآن إلى وطن هجرته لعقدين من اللجوء، وتعود إليه خالية الوفاض إلا من عزة نفسها، وشادورها البسيط، وأطفالها، وفسحة أمل تظهر وتختفي وراء الضباب؟ من أين؟··· وإلى أين؟!
كم تمنيت لو كان حديث العيد غير هذا الاستدعاء لمشاهد محزنة، من عالمنا العربي الإسلامي، وذلك التسجيل لواقع يكدّر صفو العيد وينال من فرحته الغامرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله···
وكل عام وأنتم بخير