هل يمكن أن تحظى المبادرة الجديدة لمحاربة الفقر التي أعلن عنها قادة فرنسا والبرازيل وشيلي ومعهم الأمين العام للأمم المتحدة خلال قمتهم في جنيف أمس الأول بأي فرص للنجاح والتبني في ظل نظام عالمي لا يعطي وزنا ولا قيمة لهذه القضية أو غيرها من القضايا المرتبطة بتنمية ورفاهية الإنسان؟
هذه المبادرة لم ولن تكون الأخيرة في هذا الإطار،فقد سبقتها العديد من المبادرات والاقتراحات والدعوات بضرورة التصدي لهذه المأساة التي يعاني منها نسبة كبيرة من سكان الأرض وخاصة بين شعوب ما يسمى الدول النامية التي تمثل الأغلبية الحقيقية في العالم من حيث المساحة وعدد السكان· وكانت أشهر هذه المحاولات والمبادرات ما أعلنته قمة الألفية التي عقدت عام 2000 من أهداف وضعت على رأسها ضرورة تخفيض عدد من يواجهون الفقر والجوع حول العالم إلى النصف بحلول عام 2015.
ومع كثرة هذه الطروحات والتسليم بنبل مقاصدها وأهدافها إلا أن الواقع يؤكد أن العالم الحر المتقدم الديمقراطي الغني الذي بنى جزءاً كبيرا من نهضته الصناعية وتقدمه الاقتصادي من نهب موارد الدول الفقيرة التي استعمرها لعقود طويلة ،لم يقطع خطوة واحدة ذات مصداقية لتحويل هذه المبادرات النبيلة إلى واقع حي يلمس ملايين الفقراء والجوعى آثاره الحية على واقعهم البائس ·
ذلك الواقع الذي يزداد بؤسا وتدهورا بينما العالم منشغل بحروب طاحنة على أشباح الإرهاب ، وتسير لها الجيوش بأحدث العتاد والمعدات وتخصص لها المليارات،دون التفات إلى أن الفقر والجوع وانعدام الأمل في حياة أفضل هي من أهم أسباب كابوس الإرهاب الذي يكتوي الجميع بناره الآن·
مثل هذه الدعوات والمبادرات المشكورة لايمكن أن تتحقق بمجرد إطلاقها دون توفير الآليات الملزمة، فوسائل التنفيذ متاحة ومتوفرة بكثرة ، وقد تكون من بينها الفكرة التي طرحتها قمة جنيف بفرض ضريبة على مبيعات الأسلحة، وغيرها من عشرات الأفكار المبدعة الخلاقة الجاهزة لدى العديد من المنظمات الدولية التي تحارب في ميدان مواجهة الجوع والفقر·
هذا الهدف الإنساني النبيل يحتاج إلى نظام عالمي أكثر نبلاً وعولمة أكثر إنسانية تضع قيمة الإنسان وخيره ورفاهيته على رأس أولوياتها بعيدا عن لونه وجنسه وعرقه وديانته ، لنشهد بحق وبعيدا عن الشعارات الممجوجة فارغة المحتوى عالماً أكثر عدلا وإنصافا يتراجع فيه -إن لم يختف نهائيا- الفقر والجوع وما ينتجانه من مآس وآثام·