مازال تجّار الرعب والخوف خطيرين كما كانوا في أي وقت مضى، غير أن بعض المناطق المضطربة في العالم تشهد ميلاً في اتجاه النظام والعقل. وإليكم هنا بعض الأمثلة التي تبشّر بالخير:
أفغانستان: بعد أسابيع من الجدل الحاد الذي حبس الأنفاس، تم إقرار الدستور الأفغاني الجديد، وهو ما يعطي الأمل في تطور هذا البلد -الذي عذبته الحروب- إلى دولة ديمقراطية حديثة. لكن الأخطار ما زالت قريبة ومحتملة، إذ أن أمراء الحرب ما زالوا يشعرون بالغيرة ويحرسون الكيانات التي يبسطون سلطتهم عليها. ومن الممكن أن يؤدي التأكيد على دور الشريعة الإسلامية إلى إعاقة الحريات. غير أن الانتخابات قادمة وستأخذ دورها.
وقد كان في الدستور الجديد التزام بحماية حقوق الإنسان وبمنح النساء صوتاً في البرلمان وحقوقاً مكافئة لحقوق الرجال. وستكون مواصلة الدعم مطلوبة من المجتمع الدولي، ومن الولايات المتحدة على وجه الخصوص.
باكستان: بدأت محادثات السلام بين باكستان والهند وحدث تحرك نحو إنهاء عقود من العداء بين البلدين، وهو ما يقدم أملاً بتحقيق استقرار أكبر في منطقة جنوب آسيا. إن الباكستان والهند قوتان نوويتان غير أن التهديد الذي تشكله أسلحتهما يبقى محصوراً فيما بينهما في المقام الأول.
وقد يقوم السلام الحقيقي بإحباط المضي في تطوير المزيد من الأسلحة النووية، باعتبار أن باكستان قامت- بمباركة أو بدون مباركة من الحكومات الأخرى- بعمليات تصدير سرّية للتكنولوجيا النووية إلى بلدان مثل ليبيا. غير أن الرئيس برويز مشرّف، وهو حليف رئيسي للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، قد نفى علمه بذلك الأمر. وبعد محاولتي الاغتيال اللتين وقعتا مؤخراً واستهدفتا حياته، يبدو أن مشرّف عازم الآن على شن حملة ضد التطرف بجميع أشكاله وأنواعه وفي سبيل تحقيق العلاقات الودية مع جيرانه.
ليبيا: بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية والاقتصادية، يبدو أن الزعيم الليبي معمّر القذافي عازم كل العزم على إخراج بلاده من هذا الجمود. وسواء أكانت سياسة الرئيس "بوش" التي تعتمد منهج"الضربة الاستباقية" تشكّل أو لا تشكّل سبب مبادرة القذافي بشن ما أسماه أحد الدبلوماسيين بـ"الاستسلام الاستباقي"، فإن الزعيم الليبي يتخذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي. ومن بين تلك الخطوات الإعلان عن تخلي ليبيا عن برامج الأسلحة النووية، وفتح أبواب البلاد أمام عمليات التفتيش الدولي للتحقق من التزام ليبيا بذلك، ودفع التعويضات المتعلقة بحادثة تفجير الطائرة التابعة لشركة "بان آم" الأميركية فوق بلدة "لوكربي"الاسكوتلاندية في عام 1988 وكذلك التعويضات المتعلقة بحادثة تفجير الطائرة الفرنسية فوق أفريقيا في عام 1989·
كوريا الشمالية: باعتبارها إحدى الدول التي أدرجها >بوش< في >محور الشر<، يبدو أن كوريا الشمالية قد تحركت نوعاً ما في مناوراتها التي تهدف منها حل الأزمة الدائرة حول برنامجها الخاص بالأسلحة النووية.
وعلى الأقل، يفسر المسؤولون الأميركيون بشيء من >الإيجابية< أحدث التصريحات التي خرجت من >بيونغ يانغ< حول التعليق المحتمل للعمل في برنامجها النووي، وهو تفسير يأتي على أمل تحقيق تقدم. إن من العسير التعامل مع بلد دخل في المفاوضات ثم أخفى ما لديه وافترى الأكاذيب حول برنامجه النووي في الماضي. غير أن أنوف الكوريين الشماليين ربما تشم الآن رياح التغيير التي تهب على المسرح الدولي، وربما أنهم قد فهموا من ذلك أن الوقت قد حان للتعامل مع الأوضاع وحل المسألة. ومن المعلوم أن وفداً من المسؤولين والخبراء الأميركيين قام بزيارة إلى كوريا الجنوبية أخيراً بموجب دعوة تلقاها من الحكومة هناك. وقد قام الوفد بجولة على منشأة "يونغبيون" النووية. غير أن الحكم على ذلك التطور لم يصدر حتى الآن.
إيران: إنها دولة أخرى من الدول التي أدرجها الرئيس "بوش" في قائمة دول "محور الشر"· وما زالت إيران تمارس النفاق والازدواجية فيما يتعلق ببرنامجها النووي، غير أنها وافقت مؤخراً على إخضاعه لعمليات التفتيش الدولية. ما زال الوقت مبكراً للحكم على مدى مصداقية تلك التحركات.
وقد أدّى زلزال "بام" المدمّر الذي ضرب إيران في الشهر الماضي إلى فتح الطريق أمام المساعدات الأميركية القادمة إلى إيران، غير أن تلميحات الولايات المتحدة إلى تحقيق روابط أوثق بين البلدين قد تعرضت للصدّ من جهة إيران. وقد يكون ذلك الصد مفهوماً، باعتبار أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وفيها ستخوض عناصر الإصلاحيين والمحافظين معارك للسيطرة على البرلمان. وسيكون للحصيلة الانتخابية تأثير كبير في تقرير مستقبل الحكومة الإيرانية والاتجاه الذي تسير فيه إيران.
سوريا: بلد آخر يسعى إلى تحسن العلاقات مع جيرانه. وقد قام الرئيس السوري مؤخراً بزيارة إلى تركيا، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس سوري إلى تركيا منذ 60 سنة. وتركيا بالطبع حليف قديم للولايات المتحدة، وقد عرضت القيام بدور الوسيط بين سوريا وإسرائيل. لكن الرئيس السوري قال مؤخراً إنه مستعد لبدء النق