إذا نجح الرئيس بوش في الانتخابات الرئاسية هذا العام سيكون لديه أربع سنوات إضافية ينكل فيها بالمنطقة وبالشعب الفلسطيني لصالح إسرائيل واليمين الأصولي المتطرف المسيحي واليهودي·
فمشروع بوش لتغيير الشرق الأوسط يعني مواصلة حروبه العسكرية والسياسية في المنطقة· ومن الواضح أيضا أن اليمين الإسرائيلي المتحالف معه سيستمر في الحكم أربع سنوات إضافية وهو ما يعني إغلاق كل احتمالات مراجعة السياسات الإجرامية التي تنتهجها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني· ومن ثم فإن لدينا نحن العرب كل الأسباب في العالم للعمل على إسقاطه· ولكن السؤال هو هل نستطيع التأثير على الانتخابات الأميركية· من المهم أن نجيب مبكرا على السؤال لأنه إن كنا نستطيع التأثير فالأفضل أن نبدأ سريعا بقدر الإمكان·
أسبابنا للعمل على إسقاط الرئيس الحالي لا تتعلق بنا فقط لأن مسار العالم كله سيتحدد بنتائج تلك الانتخابات الرئاسية· ولعلنا نقترض بعض تعبيرات بوش الأثيرة والتبسيطية عندما نقول إن العالم سيكون أفضل جدا بدونه وبدون الأصوليات المسيحية واليهودية التي مكنها من حكم أقوى بلد في العالم وأكثرها تقدما· فبدونه قد يمكن بناء نظام دولي يقوم على التعددية واحترام القانون الدولي وتأكيد المسؤوليات المشتركة للبشرية· وبدونه قد يمكن إنقاذ البيئة العالمية والنظام الوليد للعدالة الدولية واستنقاذ شيء من الإنصاف في تنظيم العولمة الاقتصادية·
ولكن أسبابنا للنضال ضده أوفر وأعمق· فهو الرئيس الأميركي الذي تحالف مع أسوأ مجرمي الحرب الإسرائيليين: الجنرال شارون وحكومته المؤلفة من أشد العناصر الصهيونية إغراقا في الإجرام· وهذا التحالف يعني إطلاق يد هذه الحكومة في البطش بالشعب الفلسطيني وفي منح إسرائيل استثناء من ضرورة احترام القانون الدولي· وهو الرئيس الذي تلخصت سياسته الخارجية في إعلان حرب مفتوحة بدون قيد زمني أو جغرافي أو قانوني أو أخلاقي ضد ما يسميه هو بالإرهاب لا ما يعتبره العالم إرهابا· ومن ثم فهو الرئيس الذي يقول إن أميركا يجب أن تكون فوق القانون الدولي وفوق إرادة العالم حتى عندما تكون على خطأ بين· وهو الرئيس الذي قرر أن يعتبر العداء للعرب جوهر سياساته الخارجية كلها· وشهدنا بالفعل حربه وغزوه للعراق وقد نشهد مواصلة العدوان والضغط السياسي والاقتصادي على بقية البلاد العربية إذا ما أعيد انتخابه في نوفمبر المقبل·
البعض يخطئ بشدة عندما يقول إنه لا فرق بين رئيس أميركي وآخر· وإنهم جميعا يقيمون سياساتهم الخارجية على مبدأ التفوق المطلق والهيمنة الأميركية الكاملة على الشؤون العالمية وعلى الولاء للصهيونية والعداء للعرب· فطبيعة الرئيس الأميركي لها دور كبير في تحديد اتجاهات التطور العالمي· فوجود رئيس ليبرالي وأخلاقي نسبيا مثل كارتر مكن شعوبا كثيرة في العالم الثالث من أن تختط طريقها للتطور بشيء من الحرية وهو ما أسفر عن نجاح ثورة الساندينستا في نيكاراجوا والثورة الخمينية في ايران بغض النظر عن اختلاف الآراء حولها· وكان كارتر كما كان كلينتون بعد ذلك من أكثر الرؤساء الأميركيين تفهما لحقوق الشعب الفلسطيني واحتراما لحق العرب في المعاملة الكريمة وهو أمر يختلف تماما عن رؤساء آخرين مثل نيكسون الذي مد الجسر الجوي الشهير لإسرائيل عام 1973 ورونالد ريجان الذي سمح لها باجتياح لبنان والرئيس الحالي الذي قام بغزو العراق وتأييد سحق الانتفاضة على يد عصابة شارون· ومن المعتقد أن المنافسين الديمقراطيين لبوش سيكون لهم توجهات مختلفة حيال قضايا العالم العربي وهو أمر تحتمه توجهات الرأي العام الديمقراطي الذي يظهر اعتدالا واضحا بالمقارنة بأعضاء الحزب الجمهوري ومؤيدي اليمين·
ولكن هل نستطيع نحن أو غيرنا التأثير على الانتخابات الأميركية؟
الأجابة هي نعم· نستطيع نحن العرب باعتبارنا جزءا من العالم التأثير على الصراع السياسي داخل أميركا ومن ثم على الانتخابات الأميركية· لا نقول إن العالم الخارجي يستطيع حسم نتائج الانتخابات الرئاسية هذا العام· فهذا القول مبالغة شديدة لأسباب تاريخية معروفة حيث كان الشعب الأميركي يصوت أساسا على هدي الاعتبارات المحلية والداخلية·
ولكن الصراع السياسي داخل أميركا لم يعد داخليا صرفا· وبينما كانت السياسة الخارجية أمرا بعيدا عن أذهان الأميركيين في الماضي فقد صارت من بين القضايا الحاسمة إن لم تكن القضية الحاسمة هذا العام وربما لسنوات مقبلة· فقد تغيرت معطيات كثيرة في علاقة أميركا بالعالم حتى قبل 11 سبتمبر· فالاقتصاد الأميركي أصبح أكثر اعتمادا بكثير على الاقتصاد العالمي بالمقارنة بعقد مضى· بل وصارت تركيبة أميركا السكانية أكثر تنوعا وأكثر ارتباطا بالعالم القديم والعالم الثالث· ولا شك أن الاعتبارات الاستراتيجية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ساهمت في إغراق أميركا في السياسة الدولية وهو ما تعزز بشدة بأحداث 11 سبتمبر· والرئيس بوش ذاته سيجعل السياسة الخارجية محور الصراع السياسي والانتخابي هذا العام، وهو ما يفضله الديمقراطيون أيضا·
و