أشار نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج في الآونة الأخيرة إلى إيران بأنها (نوع من الديمقراطية)· ومن المفترض أن يعني ذلك أنه، على الرغم من الحقيقة التي مفادها أن السلطة الحقيقية في إيران ما زالت حتى الآن في يد الزعماء الدينيين غير المنتخبين، يوجد في الجمهورية الإسلامية مستوى معين من المشاركة السياسية والتعددية السياسية والحرية السياسية، ومن المؤكد أنه لم يكن موجوداً على الإطلاق في الدولتين المدرجتين على قائمة (محور الشر) وهما عراق صدّام حسين وكوريا الشمالية تحت حكم كيم إيل يونغ. وتُعتبر مظاهر الحرية من هذا النوع عنصراً جوهرياً بالغ الأهمية لشرعية النظام الحاكم في إيران، إذ أن الملالي يعلمون جيداً أن سيطرتهم التامة على البلاد من شأنها أن تتعرض للخطر إذا واجهت شرعيتهم تحديات جدية وخطيرة.ولذلك فإن الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في 20 فبراير المقبل تكتسب أهمية بالغة، غير أنها قد تتعرض إما للإلغاء أو المقاطعة من جهة الأحزاب الإصلاحية الرئيسية ما لم يتم التوصل إلى حلّ للمواجهة الدستورية القائمة بين أعضاء مجلس صيانة الدستور وأعضاء البرلمان الحاليين. ويتجسد السبب الرئيسي لهذه الأزمة في أن مجلس صيانة الدستور رفض قبول ترشح الآلاف من الإصلاحيين الراغبين في خوض معركة الانتخابات، بمن فيهم عدد من أعضاء البرلمان الحالي. وكانت النتيجة أن بعض هؤلاء الأعضاء اعتصموا في مبنى البرلمان وطالبوا مجلس صيانة الدستور بإلغاء الأوامر التي أصدرها. وقد حثّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي على التوصل إلى تسوية وحلّ وسط، وذلك على غرار الدعوة التي وجهها أيضاً الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي.
وإذا لم يتم حل الأزمة، وإذا جرت الانتخابات من غير اعتبار للعوائق القائمة الآن، فإن النتائج ستكون لاشرعية في نظر أعداد كبيرة من الإيرانيين. وسيؤدي ذلك إلى المزيد من تقويض مصداقية الجمهورية الإسلامية عموماً، وعلى وجه الخصوص مصداقية المرشد الأعلى غير المنتخب وبطانته المباشرة وأعضاء حاشيته غير المنتخبين أيضاً، بمن فيهم أعضاء مجلس صيانة الدستور. ومن الصحيح أن يقال إن مقاطعة الإصلاحيين للانتخابات أو سوء أدائهم فيها-بسبب لا مبالاة الشعب وفتوره أو بسبب قوة المرشحين المحافظين الأفضل من حيث التنظيم- سوف يؤدي إلى تعزيز قوة وسلطة المتشددين الذين ستتم لهم عندئذ أسباب إحكام السيطرة على كل أجهزة الحكم بما فيها البرلمان. غير أن الثمن الذي سيدفعه المتشددون سيكون باهظاً جداً، بل من الممكن أن تكون لحظة انتصارهم بداية لنهايتهم وزوالَ مُلكِهم.
فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟
يستمد نظام حكم رجال الدين شرعيته منذ عام 1979 من الثورة نفسها ومن الاعتقاد بأن الأغلبية العظمى من الإيرانيين تؤيد الجمهورية الإسلامية. ومن المعلوم أن الشغل الشاغل في إيران في العقد الأول من عمر الثورة كان تلك الحرب الوحشية مع العراق وما كان لها من عواقب وتداعيات مباشرة وفورية. وفي منتصف التسعينيات، وصل الشعب الإيراني إلى ذروة تحرّره من الأوهام وذروة خيبة آماله بسبب الفساد الحكومي وإساءة استخدام السلطة، كما بلغ الإحباط العام أوجه بانتخاب خاتمي رئيساً على نحو غير متوقع في عام 1997 وبروز الحركة الإصلاحية المزدهرة. وعلى رغم مواجهتهم لمعارضة شديدة من جهة المتشددين، قدّم الإصلاحيون إلى النظام غطاءً جديداً من الشرعية لأنهم كانوا في نظر الكثيرين، على رغم مطالبتهم بالتغيير، يعملون ضمن النظام ولا يدعون إلى صياغة دستور جديد أو إلى ثورة مضادة.
لكن خاتمي في أية حال أخفق بعد سبع سنوات من الحكم في تحقيق الإصلاحات السياسية الموعودة، ولذلك وصلت خيبة أمل أغلبية السكان إلى ذروة أخرى بلغها أيضاً تحرر الإيرانيين عموماً من تلك الأوهام. ويأتي ذلك الآن وإيران تجد نفسها أنها في بيئة دولية أكثر تقلقلاً وخطراً. ولا يعني ذلك فقط أن إيران محاطة بقوات الجيش الأميركي، بل يعني أيضاً أن بعض نشاطاتها، ولا سيّما سياستها النووية، باتت تتعرض لانتقادات متزايدة من جهة المجتمع الدولي بما في ذلك الاتحاد الأوروبي. وبالتالي إذا باتت الانتخابات القادمة في نظر بقية العالم انتخابات تعرضت للتلاعب، فإن أولئك المسؤولين الأميركيين الذين يؤيدون الدعوة إلى تغيير النظام في إيران سوف يتلقون تعزيزاً ودعماً لقضيتهم، بل إن من الممكن أن يكتسبوا الدعم لقضيتهم تلك من ضمن بعض الأوساط في أوروبا. ومن شأن هذا أن يحمل إلى الملالي أنباءً في غاية السوء، وهو السبب الذي يفسر أنهم الآن سيقومون على الأرجح بالمصالحة فيما بينهم والتوصل إلى اتفاق حول الإجراءات المعنية بالانتخابات البرلمانية المرتقبة يوم 20 فبراير المقبل.