الشكوك التي أثارتها تصريحات وزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى في القاهرة أمس الأول عن إمكانية تخلي بلاده عن استضافة القمة العربية الدورية المقررة في مارس المقبل، تشير إلى المأزق الحاد الذي يعيشه الوضع العربي عشية الإعداد لمثل هذا الاستحقاق السنوي الذي تم الاتفاق عليه في القمة الاستثنائية بالقاهرة عام 0002 بشق الأنفس واعتبره الكثيرون إنجازاً وفاتحة خير ونقلة نوعية على ساحة العمل العربي المشترك·
الوزير التونسي محق بلا شك في حديثه عن ضرورة الاهتمام بالمضمون أكثر من المكان·· وما قاله يمثل مطلبا عربيا ملحا لطالما تصاعد الحديث عنه عشية، وعقب انعقاد كل قمة عربية خرجت خالية الوفاض ولم تثمر شيئا سواء على صعيد تفعيل التعاون العربي أم التصدي للأزمات التي تواجه هذه الأمة منذ عدة عقود وتعرقل نهضتها وتقدمها··لكن ومع تسليمنا بالمنطق والواقع اللذين يستند إليهما إلى حد بعيد مثل هذا الحديث، فهل يكون البديل هو إلغاء انعقاد القمة التي اختار لها البعض وصفا استباقيا فأسموها "قمة الفشل"؟!·
الوضع العربي المتأزم يحتاج وبشدة إلى قمة حقيقية فاعلة تتعامل مع كافة الملفات الساخنة بما تستحقه من اهتمام يتناسب وحجم هذه الملفات وتأثيرها على حاضر ومستقبل الأمة الجريحة·
فهناك العراق الذي يمر بمرحلة حرجة في تاريخه تنذر بمخاطر جمة قد يتعرض لها هذا البلد العربي الكبير الذي يحتاج بقوة إلى أشقائه وجهودهم لمساعدته عبر رؤية موحدة وواضحة على الوصول إلى بر الأمان وتحقيق الأمن والاستقرار·
وهناك الجرح الدامي المزمن في فلسطين التي مازالت آلة العدوان الصهيوني الغاشمة تواصل سفك دماء أبنائها، وتشرد الآلاف منهم، وتمضي قدما في خططها لفرض حلول الأمر الواقع العنصرية، ضاربة بكل جهود التهدئة ومحاولات استئناف العملية السلمية عرض الحائط·
وهناك سوريا التي تتعرض لتحرشات وتربصات وضغوط تهدف إلى إجبارها على التنازل والاستسلام للطروحات الإسرائيلية الساعية إلى حصد كل المكاسب على حساب الحقوق العربية، عبر اعتماد شعار وهدف "السلام مقابل السلام"؟!·
وهناك السودان الذي يشهد بوادر مرحلة سلام قد تبشر بعهد جديد لهذا البلد "سلة الغذاء العربي"، الذي يحتاج إلى وقفة أشقائه معه في مواجهة ما يتعرض له من ضغوط قد تنجح في النيل من حقوقه ومكاسبه الوطنية·
ألا تحتاج هذه الملفات العربية وغيرها من الملفات إلى عقد قمة عربية تأخذ زمام المبادرة لتعامل عقلاني وموضوعي لا يسمح للآخرين بالتدخل في شؤوننا وفرض رؤاهم وتصوراتهم علينا؟