صدر مؤخراً في إسرائيل كتاب للمؤلفة أريانا ميلاميد عن رواية تيودور هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية، والتي تحمل عنوان: أرض قديمة جديدة، ويسوق فيها هرتزل تنبؤاته عن المجتمع الصهيوني الجديد، حيث تخيله على هذا النحو: الجميع يتحدثون اللغة الألمانية، إنهم مهندمون جيداً، يسيرون بنعومة في الشوارع الواسعة لمدينة حيفا، في طريقهم إلى دار الأوبرا. لقد أحضر الصهاينة إلى البلاد أفضل الاختراعات الألمانية والنمساوية المتطورة، ولذلك توجد خدمات بريد متطورة، وخدمات طبية مزدهرة، وزراعة بوسائل علمية متقدمة، إنهم يحتفلون بيوبيل النبي موسى، وهناك جمهرة كبيرة من المبادرين والمثقفين الفرحين، الذين يفرحهم، أيضاً، إلقاء خطاب يشرحون فيه سبب فرحهم الكبير·
وماذا عن العرب؟
الحال، كما تنبأ هرتزل، لا يقل حسناً. فرشيد بك، المتحدث باسم العرب، يشيد بالاستعمار الصهيوني قائلا: "اليهود تعاملوا معنا بالحسنى... أولئك الذين كانوا معدمين لم يخسروا شيئاً، بل أصبح بوسعهم جني الأرباح. لقد حصلوا على أماكن عمل، على الغذاء والصحة، واستفادوا من مؤسسات الرفاه الممتازة، سواء شاؤوا ذلك أم أبوا. القوى العاملة المحلية، التي كانت منيعة أمام الأمراض، استُخدمت في المراحل الأولى من الاستيطان لتجفيف المستنقعات ولحفر القنوات وزرع أشجار الكينا التي أنقذت الأرض، وحصل هؤلاء العمال على أجور مجزية... لقد اشترت الشركة الجديدة هذه الأرض بثمن زهيد وحولتها إلى أرض طيبة. هذه الحقول تتبع تلك القرية، الواقعة فوق التل. إنها قرية عربية. يمكنكم رؤية المسجد الصغير. هؤلاء المساكين أصبحوا اليوم أسعد من أي وقت مضى، فهم يأكلون بشكل أفضل، وأولادهم يتمتعون بصحة جيدة ويذهبون إلى المدارس. لم يفقدوا إيمانهم وتقاليدهم السابقة، وكل ما في الأمر أنهم نالوا حياة أفضل وأكثر راحة".
وماذا عن المقاومة؟
يستنكر رشيد بك السؤال ذاته وينفي وجود المقاومة، قائلاً: "أية أمور غريبة تدور في رأسك؟!. هل تتعامل مع من لم يأخذ منك شيئاً وإنما أعطاك، كما تتعامل مع لص؟ لقد جعلنا اليهود أكثر ثراء، فلماذا نغضب منهم؟ إنهم يعيشون معنا كالأخوة، فلماذا لا نحبهم؟ معابدنا تقوم جنباً إلى جنب، وأنا أؤمن إيماناً كاملاً بأن صلواتنا تتوحد في مكان ما في الأعالي وتواصل طريقها معاً إلى أن تصل إلى آبائنا في السماوات".
هذه هي نبوءات العراف الصهيوني، فماذا حدث في الواقع؟
تصف مؤلفة الكتاب هذه النبوءات بأنها نبوءة استعمارية حديثة رائعة، ولم يكن هرتسل وحيداً في تفكيره هذا، فباسم هذه الأفكار، تم توطين البلجيك في الكونغو، وإرسال الفرنسيين إلى الجزائر والهولنديين إلى إندونيسيا والبريطانيين إلى الهند، وقبل ذلك، البرتغاليين إلى البرازيل.
وماذا عن الواقع الحالي؟
أحفاد رشيد بك يحاربون دفاعاً عن أراضيهم المصادرة، وأحفاد مؤسسي الجيب الاستيطاني الصهيوني يحاربون أحفاد رشيد بك، الرأسمالية المتنورة أفلست وأفلست معها دولة الرفاه المتنورة!
لقد دأب الفكر العربي المهزوم على ترديد نبوءة هرتزل بأن الدولة الصهيونية ستتحقق بعد خمسين عاماً، وقد تحققت هذه النبوءة بالفعل، ولكن هناك عشرات النبوءات التي لم تتحقق، والتي لم يحصها أحد. فشكراً للمؤلفة الإسرائيلية أريانا ميلاميد التي قامت بالمهمة! وشكراً للانتفاضة التي أفشلت النبوءة!
وجَّه أربعة من القادة السابقين لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، المعروف باسم >الشين بيت<، انتقادات حادة إلى أسلوب الحكومة الإسرائيلية في إدارة عملية السلام مع الفلسطينيين. فوصف كرمي جيلون، الذي قاد الجهاز بين عامي 1995 و1996، السياسة الإسرائيلية في مواجهة الانتفاضة بأنها "قصيرة النظر"، وأنها "تركز على التفكير في منع هجوم آخر، وليس على سبل الخروج من الفوضى التي نعيش فيها اليوم".
وقال يعقوب بيري، الذي تولى رئاسة الجهاز من عام 1988 إلى عام 1995، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، إن "شارون يتحدث كثيراً عن التسويات المؤلمة، ولا توجد تسوية مؤلمة سوى إخلاء المستوطنات". وأضاف "إننا نتجه إلى كارثة. إذا استمر الوضع على ما هو عليه وبقينا نعيش بحد السيف، فسوف نواصل الخوض في الأوحال، وسنستمر في تدمير أنفسنا".
أما أبراهام شالوم الذي قاد نفس الجهاز في الفترة من عام 1980 إلى عام 1986 فقال إن إسرائيل ستتجه إلى كارثة إذا لم ندرك أن هناك آخرين يعانون بينما نتعامل معهم بشكل مخزٍ·
وأكد آمي إيلون، وهو قائد سابق لنفس الجهاز من عام 1996 إلى عام 2000، أنه >بدون اتفاق سلام فإن إسرائيل تخاطر بوجودها<.
هذا الحديث عن الكارثة وعن نهاية إسرائيل، هل هو نتيجة تصاعد المقاومة؟
··· ويستعيض الإسرائيليون عن هذه الأنباء المحبطة بالاستغراق في الأحلام المستحيلة اللذيذة، فهي لذيذة لأنها تخلصهم من كابوس الوجود البشري الفلسطيني المتزايد، ولكنها مستحيلة لأن كل من يروجها لا يخبرهم ما هو السبيل لتحقيق هذا الحلم·
فقد نشرت منظمة إسرائيلية تسمى >جاملا< خطة تفصيلية بعنوان >آليات التر