الوقوف بعرفة من أهم مناسك الحج، فالحج عرفة كما نعلم، وقد استوقفتني كثيرا خطب الرسول عليه الصلاة والسلام وبالذات ما كان منها في ذلك اليوم الأغر الذي يغفر الله تعالى فيه للحجاج، فمبارك الحج عليهم ورزقنا إياه جميعا· بهذه المناسبة أجد أن مقالي سينحصر في دروس ينبغي أن نتعلمها من الحج· فهو جامع لأركان الإسلام، ففيه توحيد للخالق وفيه صلاة مكتوبة وفيه زكاة مال وبه جهاد للنفس وبذل وعطاء، ويكمل ذلك صيام غير الحاج في وطنه· لكن الحج يحمل معاني كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: من أبرز معاني الحج التجرد للخالق سبحانه من كل رتب الدنيا وزخرفها فيبدأ بالتلبية وهي إعلان القصد والتوجه لله سبحانه وتعالى· فمن حج لغير ذلك رد عليه حجه· ومن التجرد المعنوي إلى المادي حيث يتجرد الرجال من المخيط كي يتساوى الناس في هيآتهم كما خلقهم الباري من ذكر وأنثى فأي معنى للمساواة أفضل من الصورة التي تنقلها لنا شبكات التلفاز يوم عرفة، موقف الناس جميعا في صعيد واحد يرجون رحمة الله ويخافون عذابه، والمساواة من القيم التي يفقدها كثير من المجتمعات اليوم وهي من أسرار النصر والتمكين·
ومن المعاني التي يلمسها الحاج مدى التخلف التي تعيشه الأمة في مجموعها· فمع ملايين البشر التي تجتمع في ذلك اليوم نرى مذاهب من التخلف الاقتصادي والصحي وأهم من ذلك العلمي· فكثر هم الذين يؤدون النسك بصورة أو بأخرى لكنهم بعد النسك تتردد أسئلتهم عن مدى صحة فعلهم· مع أننا أمة تؤمن بالعلم قبل العمل· ومن جرب الحج يعرف معنى الفوضى التي نعيشها في حياتنا الخاصة والعامة، هذه الفوضى تتجرد بمعانيها العملية في الحج·
ومن أهم ما ورد في الحج في خطبة الرسول عليه الصلاة والسلام أمور مهمة تدخل في دستور المسلم الدائم· فبعد العقيدة ذكر الرسول لنا العديد من الأمور الإنسانية والتي منها حرمة الدماء· فقد أكد الرسول في خطبته على ذلك كما أوصى خيرا بالنساء كأنه عليه السلام ينظر إلى حال المسلمين في علاقاتهم بالمرأة التي هي في ضياع بين دعاة التحرر من كل القيم والمبادئ العامة التي نعرفها وبين تشدد لا يرى للنساء دوراً في المجتمع أكثر مما تقوم به في إطار بيتها، فماذا تفعل المرأة التي أوصانا بها رسول هذه الأمة؟ إن منهج الإسلام منهج واضح ومعتدل في تعامله مع النساء فهو من أعطاها حقوقها كابنة وسيدة في المجتمع·
ومن دروس الحج المتعلمة لمن حج تجريب أخلاقه التي يدين بها أينما كان، فهو اختبار لقدرة الإنسان على التحمل كجسد، وأهم من ذلك أخلاق الإنسان التي تمتحن هناك، فالحاج في أهم الحاجة إلى الصبر في تعامله مع الناس وهناك ممارسة واضحة للكرم وضبط النفس واللسان، لأن الإنسان يعامل الناس بأخلاقه وليس بأخلاقهم، فهل ينجح الجميع في هذا التحدي الكبير؟
ومن رموز الحج المميزة رمي الجمار، فبعد نجاح الإنسان مع نفسه بالتوبة والذهاب إلى البيت العتيق كي يرجع كيوم ولدته أمه يأتيه تحد من نوع مميز إنه إعلان الحرب على الشيطان الذي يريد إغواء الإنسان كي يشاركه موقعه في جهنم، فمع الرمي المادي للجمرات تتجلى حرب سرية على الشيطان يقول له الحاج بلسان الحال لا المقال اليوم أرجع كما ولدتني أمي ولن يكون لك علي سلطان فكم من الحجاج يوفي بمتطلبات هذه الحرب·