الأخضر الإبراهيمي: هل تضمد خبراته الطويلة جراح العراقيين؟


 دبلوماسي جزائري برع في تضميد جراح شعوب عانت من ويلات الحروب... جهوده الأخيرة في أفغانستان دفعت كوفي عنان إلى إصدار قرار في 15 يناير الجاري بتعيينه مستشاراً للأمين العام لشؤون العراق، وهو ما يأتي اعترافاً جديداً بخبرته في التعامل بنجاح مع التحديات والمشكلات التي تواجهها المنظمة الدولية عند دخولها معارك بناء الأمم وإعمارها بعد الحروب...


 إنه الأخضر الإبراهيمي وزير الخارجية الجزائري السابق وكبير مبعوثي الأمم المتحدة في أفغانستان. وبهذا القرار يدخل الإبراهيمي في تحد جديد في منطقة نزاع جديدة· فعراق ما بعد صدام لا يزال يخبئ الكثير والكثير. وإذا كان بعض المحللين يرون في هذا القرار بداية دور حقيقي للأمم المتحدة في عراق ما بعد صدام، فإنه من الصعب أن نسرف في تحميل الإبراهيمي مسؤولية تحقيق إنجازات في العراق وخصوصاً أن الساحة العراقية تموج بجدليات سياسية وطائفية وعرقية ناءت الولايات المتحدة بحملها. غير أن الإبراهيمي العربي المسلم سيكون أكثر قدرة من غيره على التعامل مع الواقع العراقي المرتبك، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار خبرته في حرب لبنان. وعلى رغم أنه يمثل الأمم المتحدة التي يعتقد البعض أنها تسير على النهج الأميركي، فإن الإبراهيمي لا يجد حرجاً في معارضته للسياسة الأميركية سواء في أفغانستان أو في العراق. فبالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في أفغانستان يرى الإبراهيمي أن "واشنطن تتحمل مسؤولية التدهور الأمني في أفغانستان لأنها ركزت على توقيف إرهابيين محتملين عوضاً عن البحث عن سبل لتحسين الوضع في البلاد عموماً". أما بخصوص العراق، فقد وجه الإبراهيمي انتقادات شديدة للحرب الأميركية على العراق، ومن بين تصريحاته الشهيرة في هذا الصدد "إن الحرب التي شنت على العراق لم تكن مشروعة وما يتعرض له العراق الآن هو احتلال من قبل القوات الأميركية والبريطانية" كما يرى الإبراهيمي أن الفارق بين حرب واشنطن على العراق وحربها على أفغانستان أن الأخيرة لم تتعرض أراضيها للاجتياح.


عاش الأخضر الإبراهيمي أكثر سني حياته السياسية والمهنية في عالم الدبلوماسية، متنقلا بين عواصم القرار العالمية ومناطق الصراعات والحروب الطاحنة، بين أفريقيا وأميركيا اللاتينية ووسط آسيا وشرق أوروبا والبلقان، حتى غدا كاهله المقوس وعيناه الرامشتان، علامة على دور المجتمع الدولي في التسويات التي أدت إلى الخروج ببلدان عديدة من نفق الحروب الإقليمية أو الصراعات الداخلية· بل أصبح كل خط في صفحة وجهه المتغضن عنوان قصة كاملة لصراع من الصراعات التي نجحت الأمم المتحدة أو فشلت في توقيفها. فالإبراهيمي الذي اختارته الأمم المتحدة منذ عام 1994 مبعوثا خاصا لأمينها العام إلى عدد من أكثر مناطق النزاع احتداما في العالم، كان الاعتبار الرئيسي وراء اختياره للمهمة الدولية هو مراسه الممتد عبر سنوات طويلة من العمل الدبلوماسي وخبرته في إدارة المفاوضات وإيجاد حلول لأكثر الأزمات تعقيدا.


يعمل الإبراهيمي رسميا مع الأمم المتحدة منذ سبعة أعوام فقط، لكن اتصالاته معها تعود إلى الفترة ما بين عامي 1956 و1961 عندما كان الممثل المقيم لجبهة التحرير الجزائرية في إندونيسيا وجنوب شرق آسيا. وقد عمل مبعوثا خاصا للجامعة العربية إلى لبنان حيث ساعد في وضع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية هناك في عام 1991· كما أن الإبراهيمي الذي دخل عامه السبعين شغل منصب وزير الخارجية في بلاده بين عامي 1991 و1993، بعد أن كان سفيرا في القاهرة والخرطوم ولندن بين عامي 1963 و1979، ثم مستشارا دبلوماسيا للرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، قبل أن يتولى منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية في الفترة من 1984 الى1991· من هاييتي التي بدأ منها مهمته الأولى كممثل للأمم المتحدة بين عامي 1994، 1996، مرورا بزائير واليمن وليبيريا وجنوب إفريقيا والصومال وكوسوفا، وقبل ذلك لبنان، إلى أفغانستان ووقتها كان اسمه أكثر الأسماء ورودا في تقارير الأخبار اليومية حولها منذ عام 1997، اتسعت خطوات الإبراهيمي وتسارعت في محاولات دؤوبة لاحتواء الأزمات الناشبة في هذه المواقع. تسلم الإبراهيمي ملفا استثنائيا متخما بالتعقيدات في أفغانستان، وقد استدعاه الوضع الخاص في هذا البلد الذي أحرقت وجهه الحروب، إلى أن يركز أقصى طاقته على العمل من أجل إصلاح العطب العميق في العلاقة بين الأفغان كأطراف داخلية، وبين الأفغان والمحيط الدولي. وبغض النظر عن أي نتائج، فإنه حافظ على نظافة الوسيط النزيه داخل ذلك المستنقع بكل ما فيه من مناورات وحبائل ونوايا. تعرض الإبراهيمي لانتقادات من بعض الأوساط، عندما أعلن في يناير 2002 إن القوات الأميركية >حذرة جدا< في غاراتها على أفغانستان وإنه لم يطالب بوقف القصف الأميركي الذي قتل العديد من المدنيين. فقال منتقدوه إن "لعنة القبعات الزرقاء قد أصابته هو أ