حزن المفكر العربي على مدى ربع قرن أو أكثر على قطع العلاقات بين مصر وإيران منذ توقيع مصر على معاهدة كامب ديفيد عام 1978 بعد زيارة القدس في نوفمبر 1977 واتفاقية السلام في 1979· فمصر وإيران أكبر دولتين -مع تركيا- مؤثرتان في المنطقة، مصر في الوطن العربي وأفريقيا وآسيا، وإيران في العالم الإسلامي خاصة في أواسط آسيا· مصر قلب الوطن العربي وإيران قلب العالم الإسلامي· واستمرت القطيعة بالرغم من تغير الظروف والأحوال واستهدافهما معا في عصر الهيمنة الصهيونية من أجل خلق إسرائيل الكبرى والهيمنة الأميركية من أجل خلق الإمبراطورية الأميركية الجديدة· وبعد احتلال كل فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان بدأ تهديد إيران ومصر وسوريا والسعودية وكل قطر عربي أو دولة إسلامية لم تدخل بيت الطاعة بعد وما زالت تمثل البديل في عصر لا يقبل إلا انضواء الجميع تحت مظلة العولمة وقوانين السوق·
ويبدو أن تاريخ مصر وإيران الحديث قد أخذ مسارين متناقضين· ففي الوقت الذي كانت فيه مصر ناصرية في الخمسينيات والستينيات تعادي الاستعمار والصهيونية وتقود حركات التحرر في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم الثالث كانت إيران تحت حكم الشاه المتحالف مع الغرب الاستعماري والمناهض لحركات تحرر الشعوب، يمثل أعتى نظام قهري من خلال أجهزة الأمن· يطارد المثقفين والثوار، ويقيم الأحلاف السياسية والتحالفات العسكرية، محور الرياض-طهران-كراتشي في مواجهة مصر وسوريا اللتين كانتا تقودان المعركة ضد حلف بغداد، والحلف الإسلامي·
ثم انقلبت الآية! إذ انقلبت مصر من الثورة إلى الثورة المضادة في السبعينيات والثمانينيات، واعترفت بعدو الأمس، إسرائيل، وتحالفت مع عدو آخر، الولايات المتحدة الأميركية· وتخلت عن المشروع الناصري الاشتراكي القومي إلى مشروع نقيض رأسمالي قطري· في حين اندلعت الثورة في إيران في فبراير 1979، وانقلبت إلى أكبر عدو للاستعمار الأميركي، "الشيطان الأكبر"، دفاعا عن حركات التحرر· وقدمت مشروعا لتحرير فلسطين لكل فلسطين منذ 1948 يتجاوز الحلم العربي الذي اقتصر على إزالة آثار العدوان في يونيو 1967 والذي ما زال متعثرا حتى الآن في فلسطين وسوريا ولبنان، واسترداد مصر لسيناء منزوعة السلاح، وفي صلح منفرد يفصل بين مصير سيناء ومصير الضفة الغربية وغزة والقدس والجولان وجنوب لبنان·
ثم تغيرت الظروف مرة أخرى وانتهى عصر الاستقطاب، وأصبح الوطن العربي والعالم الإسلامي مستهدفين· ولم تنجح محاولات التقريب بين مصر وإيران بالرغم من العديد من المساعي الحميدة من المفكرين الوطنيين والأئمة الثوريين من كلا البلدين· كل طرف يتمسك ببعض الأمور الشكلية أو التي تحتاج إلى حوار مشترك· فالسياسة الدولية لا تعرف الخصام على مدى عقود من الزمان، ولا تغلق الأبواب إلى الأبد· فقد طرقت الولايات المتحدة في عصر نيكسون باب الصين· وأصبحت معظم الدول الأوروبية التي طالما نشأت بينها الحروب وكلفت عشرات الملايين من القتلى - أصبحت أعضاء في منظمة إقليمية واحدة، الاتحاد الأوروبى، وتكونت مجموعة اقتصادية واحدة، مجموعة الثماني التي تمثل قلب العالم الصناعي والذي يسيطر على أكثر من 80 % من إنتاج العالم·
كان اسم الخليج هو الذريعة، عربيا أم فارسيا· وفي التاريخ خليج فارس· وبحر العرب وخليج عمان أجزاء من المحيط الهندي الآن ولم ينشأ نزاع بين العرب والهند حول التسمية· ولماذا لا يسمى الخليج العربي-الفارسي أو الخليج الإسلامي؟ وهل المشكلة في التسمية أم في الواقع؟ فقد أصبح الخليج الأميركي بعد وجود الأسطول الأميركي فيه للعدوان على العراق وإيران وربما احتلال آبار النفط كما فكر في ذلك بعد حرب أكتوبر 1973 أثناء الحظر· وهل المشكلة اسم شارع في طهران؟ وهل يضحى بالمصالح العليا للبلاد من أجل أسماء الشوارع؟
صحيح أن هناك قضايا أصعب ولكن ليست صعبة الحل· فملكية الجزر الخالية من السكان والثروات الطبيعية على مدخل الخليج المتنازع عليها بين إيران والإمارات، ومصر بالتزامها القومي والشرعية الدولية تؤيد الإمارات، يمكن أن تـُرد إلى الإمارات طبقا للشرعية الدولية بالمفهوم التقليدي بعد احتلال الشاه لها· ويمكن بالمفهوم العربي القومي والإسلامي التقدمي أن تصبح مناطق تكامل بين العرب وإيران ومكاناً للعيش والعمل المشترك كما كان الحال قبل احتلال الشاه لها· ويمكن أن تكون قاعدة للأمن القومي العربي والإسلامي· فالأمن مشترك مع دول الجوار· ولا منافسة في الزعامة على المنطقة· فالزعامتان كلتاهما يهددهما خطر مشترك واحد، الهيمنة الصهيونية الأميركية· والأصلح لكلتيهما التعاون الأمني على ضفتي الخليج وفي مدخله بل وفي شماله وجنوبه، وشرقه وغربه· ففيه وحوله يقبع أكبر مخزون نفطي في العالم·
لقد خشيت الأنظمة العربية من مبدأ تصدير الثورة بعد أن ألهبت الثورة الإسلامية في إيران خيال العرب والمسلمين في كل مكان، قيادة إسلامية حازمة، وأيديولوجية إسلامية لصالح المستضعفين ضد الاستكبار العالمي، وملايين في شوارع طهران تحاصر