يعرفنا الغرب من خلال بعض ملاحظاته على أننا أمة ثرثارة أكثر من غيرها. ولن تتغير هذه النظرة السلبية إلا بتحويل الهزل الشديد إلى قنوات للحوار الجاد. أما المواضيع فليس شرطا أن تركز على التجارب المخبرية، لأن الإنسان عندنا لم يأخذ حظه من الحوار الذي يرفع من شأنه بين العوالم التي تتغنى بحقوقه ونحن في عداد المستمعين والمستمتعين بهذا الغناء الجميل.
نعود إلى معامل الدراسات العلمية التي تؤكد أن القدرة على التواصل مع الآخرين جزء لا يتجزأ من الذكاء الذي يتم قياسه في مختبرات علم النفس.
فلقد أكد بحث أجري في بريطانيا أن تقييم نسبة ذكاء الطفل يتم على أساس قدراته التواصلية أكثر من كفاءته الحسابية حيث أن المدرسين يعتمدون في تصنيف ذكاء التلاميذ على ملكتي القراءة والحديث وليس على القدرة الحسابية .
إن نجاح الإنسان يكمن في إجادته لفن التحاور مع الآخرين، فالحوار في جوهره هو تبادل خبرات وآراء ووجهات نظر وهو مردود في النهاية بما لدى الآخر من قيم وأساليب حل للمشاكل، ومن نماذج تنظيمية وعلاقات بين البشر.
فالحوار صفة بشرية يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، لابد لكل شخص أن يكون لديه رأي أو وجهة نظر، بهذه الصورة أو تلك حول العديد من المسائل التي تواجهه في الحياة. لكن الإنسان بصفته هذه يحتاج أيضا إلى مشاركة الآخرين فيما يعتمل في نفسه من آراء كما يحتاج إلى سماع آرائهم والتداول بشأنها.
وحتى يحالفنا النجاح مع من نحاور فإننا في أمس الحاجة إلى تقوية لغة التواصل باتباع ما يلي: تحديد الهدف من التواصل. الانتباه لحدود الأنانية. تعلم فن الإصغاء. إذا لم يتحقق الهدف من التواصل فيجب تغيير الأساليب. تحديد ايجابيات الشخص الآخر. تقديم الفرح للآخرين يؤدي إلى اكتساب السلطة عليهم. لا داعي لمحاولة كسب كل المعارك الصغيرة. تحديد تصرفات الآخر. في الحوار يجب أن يكون لدينا رابحان.
ولا ننسى هنا أن نذكر بأن النقاط السالفة هي خلاصة لتجربة الفراعنة في مصر القديمة لحل لغز التواصل الإنساني حتى لا تشغلنا التقنية أو التعامل الآلي البارد عن الجوانب الاجتماعية التي لا يمكن تركها وراء ظهورنا لأنها الأصل الذي لا تغني التقانة الحديثة عنه. فإذا كان عهد الفراعنة قد مضى فإن عصرنا لا يجب أن يمضي دون نقل الحوار بين الأفراد إلى الحوار بين الحضارات.
لأن ما يجري حولنا من أحداث دامية بين مختلف الشعوب يؤكد على أهمية التركيز على البعد الإنساني في تقوية العلاقات البينية بين المجتمعات التي لابد وأن تتعايش في سلم متفق عليه لأنها لا تستطيع الاستغناء عن بعضها البعض مهما ادعى البعض بأن هناك عصرا جديدا بدأ في الظهور لكي يصبح عنوانه البارز في الصراع بين البشر البقاء للأقوى على حساب فناء الأضعف. ولو صدقت هذه النبوءات التي لا تبشر إلا بمزيد من المصادمات بين بني البشر فإن مصير الحضارات سيكون في كف عفريت من صنع الإنسان فهو الذي بيده عناصر الدمار في الكون وكذلك عناصر العمار.