في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد, دافع الرئيس بوش عن استراتيجيات سياساته الخارجية, وأكد أنها تحقق نتائج إيجابية. كان ذلك أمرا بديهيا ومتوقعا من الرئيس, تماما كما هو متوقع الهجوم الذي تعرضت له سياساته من قبل منتقديه. فمن رأي هؤلاء النقاد أن سياسات بوش الخارجية تؤتي نتائج سلبية, وأن ما يحدث من تطورات إيجابية في المشهد العالمي, إنما يؤول إلى عوامل أخرى, لا صلة لها بسياسات بوش. أما بالنسبة للساسة ووسائل الإعلام, فإما كان التعبير عن مراقبة ومتابعة الأحداث نفسها, تقريظا لما يجري أو قدحا له, حسب الموقف الذي تتخذه وسيلة الإعلام المعينة, أو السياسي المحدد. وعليه, فإن من الطبيعي أن يستخدم كلا الطرفين- بوش ومنتقدوه- الأحداث والتطورات الجارية في خمس دول هي أفغانستان والعراق وليبيا وإيران وكوريا الشمالية, للتأكيد على صحة رأيه وتحليله لهذه التطورات. وفي خطابه الأخير المقتضب الذي ألقاه في العشرين من شهر يناير الجاري, أورد بوش أسماء هذه الدول الخمس, معززا بها صحة قناعته بإيجابية استراتيجيته.
ففيما يتصل بالعراق مثلا, استشهد بوش باعتقال صدام حسين, والعمل الجاري حاليا لتسليم السيادة للعراقيين في شهر يونيو المقبل, باعتبارهما برهانا على مدى إيجابية السياسات المنتهجة إزاء العراق. وفي الجانب الآخر, فإن من رأي منتقدي بوش على سياساته هناك, أن الأوضاع الأمنية لا تزال سيئة وخطيرة, وأن العراقيين لا يزالوان يعانون من نقص في الخدمات الأساسية وانقطاعات التيار الكهربائي, بعد مضي عشرة أشهر على غزو التحالف الدولي للعراق, بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. إلى ذلك يضيف النقاد ما يرونه من صعوبات جمة تتصل بعملية الانتقال والتحول باتجاه الديمقراطية, في ظل التعقيدات والأوضاع الراهنة.
أما في أفغانستان, فقد استشهد بوش بالاتفاق الذي أبرمه القادة والزعماء الأفغان وإجازتهم لدستور جديد للبلاد, إلى جانب اتفاقهم على إجراء انتخابات حرة ديمقراطية, باعتبارهما علامة من علامات إيجابيات استراتيجيته. وفي هذا أيضا, فإن للنقاد رأيا وقولا. يتلخص هذا الرأي في أن أسامة بن لادن, لا يزال يمثل خطرا كبيرا مثلما كان من قبل. وكذا الحال بالنسبة لمقاتلي حركة طالبان, التي بدأت تستعيد بعضا من قوتها وتجمع صفوفها من جديد. أضف لذلك أن الوضع الأمني لا يزال خطيرا وتصعب السيطرة عليه, خارج حدود العاصمة كابول.
وعن الملف الإيراني, فقد ردت إدارة بوش إعلانات طهران الأخيرة حول برامجها النووية, إلى الحرب التي شنتها الإدارة على العراق. والمقصود من هذه الإعلانات هو اعتزام طهران وقف برامجها النووية الخاصة بتخصيب اليورانيوم, وفتح منشآتها ومواقعها النووية أمام عمليات التفتيش التي تضطلع بها الوكالة العالمية للطاقة الذرية. ومن رأي المدافعين عن سياسات الرئيس بوش, أن التنازلات التي قدمتها حكومة طهران, قامت على تعلمها الدرس من تجربة العراق الأخيرة. ذلك أن الحرب على نظام صدام حسين, شنت أساسا على ما نسب إليه من تطوير برامج أسلحة دمار شامل. ذلك هو ما يروج له مناصرو بوش. أما منتقدوه, فإن لهم تفسيرا آخر للإعلانات الصادرة عن طهران. فالسبب وراء الإعلانات الأخيرة هذه, لا علاقة له البتة بمسألة الحرب على العراق, وإنما يؤول لرغبة وحرص نظام طهران على استئناف علاقاته التجارية والدبلوماسية مع بلدان الاتحاد الأوروبي. والمعلوم أن عائدات العلاقات التجارية مع أوروبا تقدر بمليارات الدولارات سنويا. بل أشار النقاد تحديدا للجهود الحثيثة والمستمرة التي بذلتها عدة دول أوروبية مع حكومة طهران, على مدى عدة أشهر سابقة للإعلانات المذكورة, باعتبارها السبب الذي يفسر التطورات التي حدثت مؤخرا في المشهد الإيراني. وقال هؤلاء إن تلك الجهود التي بذلتها كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا تحديدا, لم تكن لتؤتي أكلها وثمارها, لولا أنها ارتبطت بوعود قاطعة باستئناف العلاقات التجارية والدبلوماسية مع طهران. ومن المراقبين والنقاد من تشكك في مدى جدية طهران في إجراء تعديلات على برامجها النووية أو العدول عنها. وذهب هؤلاء للقول إن إيران لا تعتزم اتخاذ خطوة كهذه فعليا, وإنما تتظاهر مجرد تظاهر, بأنها تفعل ذلك.
ينطبق الشيء نفسه على الحوار الذي نشأ في الولايات المتحدة مؤخرا على إثر التطورات والإعلانات الصادرة عن الحكومة الليبية فيما يتصل ببرامجها النووية. ففي أواخر شهر ديسمبر المنصرم, انضم الرئيس بوش إلى حليفه البريطاني توني بلير في الإعلان عن موافقة ليبيا على فتح وتفكيك كافة برامجها النووية والكيماوية والبيولوجية, فضلا عن خفض قدرات ترسانتها من الصواريخ إلى مدى لا يزيد على 300 متر. إلى ذلك نسب إلى ليبيا إعلانها عن فتح منشآتها أمام عمليات التفتيش الدولي. وود الرئيس بوش وحليفه بلير لو أن العالم كله يقتنع بأن طرابلس لم تقدم على اتخاذ ذلك القرار, إلا حينما رأى زعيمها معمر القذافي, أن ما تعرض له العراق من غزو أميركي بريطاني, كان بدافع رغبة منهما في نزع ما لديه