لم يعد خافيا الفشل الذريع الذي منيت به أجهزة المخابرات الغربية في محاولة فهمها واستقصائها لظاهرة الإسلام السياسي المتشدد الذي تمثله الجماعات والمنظمات الإسلامية الراديكالية, سيما على مستواها التنظيمي وشبكاتها المنتشرة في شتى أنحاء العالم. وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نفسها, أكبر وأوضح دليل على هذا الفشل, إذ لم تتنبأ أو تحذر منها أي من أجهزة المخابرات الغربية أو الأميركية. ولا يقتصر هذا الفشل على التنبؤ المسبق بما وقع في مدينتي نيويورك وواشنطن وحدهما, بل من الذي تنبأ بالهجوم على جزيرة بالي, أو ذلك الذي حدث في كينيا أو الدار البيضاء؟ ومن أقوى المؤشرات على هذا الفشل, تلك الأدلة الاستخباراتية التي جانبت الدقة والصواب, في ربطها بين صدام حسين وهجمات الجمرة الخبيثة التي تعرض لها عدد من المدن الأميركية, وكذلك ما ورد من معلومات حول سعي صدام لتطوير أسلحة نووية وكيماوية. أما الأدلة التي قدمت حول سعيه لشراء مادة اليورانيوم المخصب من إحدى الدول الإفريقية, فهي بصريح العبارة لم تكن أكثر من فبركة استخباراتية. ذلك هو ملخص بعض ما ورد من تعليقات صحف غربية مختلفة على كتاب " القاعدة: ظل الرعب" لمؤلفه جاسون بيرك, وهو الكتاب الذي نعرض اليوم.
إلى ذلك أضف ما جاء من تصريحات للتيار المحافظ المتشدد في واشنطن وبريطانيا حول نوايا -لا تحسب حسابا لمخاوف المسلمين المشروعة إزاء السياسات التي ينتهجها هذا التيار ضدهم- لجعل العراق مقدمة لحملة أوسع نطاقا تطال كلا من سوريا وإيران على الأقل. وإمعانا في زيادة الطين بلة, فقد أضيف إلى كل هذه خطأ اختيار فرانكلين جراهام صاحب التصريحات الشهيرة التي أساء فيها للدين الإسلامي كدين, ووصف المسافة الفاصلة بين الإسلام والمسيحية بأنها تشبه الفارق ما بين " الليل والنهار" على أن الإسلام هو رديف الليل الدال على الظلمة والجهل والتخلف. يذكر أن وزارة الدفاع الأميركية " البنتاجون" قد اختارت هذا الرجل المتعصب المنحاز بشكل واضح ضد الإسلام, كي يكون متحدثا رسميا باسمها في مناسبة الخدمة التي تنظمها سنويا.
هكذا تمضي الأخطاء تلو الأخطاء التي ترتكبها دوائر اتخاذ القرار في واشنطن, بينما تغلي مراجل الغضب في أوساط المجتمعات الإسلامية, وتطول أكثر من ذي قبل صفوف شباب المسلمين الحانقين والمستعدين لتفجير أنفسهم دفاعا عن الإسلام, والانخراط لأي منظمة جهادية ترفع شعار الدفاع عن مشاعرهم الدينية الجريحة. ومع ازدياد الراغبين والجادين في المضي في هذا الطريق حتى شوطه الأخير, تنشأ الصلات بين مختلف الخلايا والشبكات الدولية للمجاهدين, وتستثمر أحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة في مهام التنسيق والاستنفار والتخطيط المشترك, وتبادل المعلومات والخبرات.
في كل ذلك يلاحظ أن أدق المعلومات عن نشاط شبكات الإسلام الراديكالي, لا ترد من قبل الأجهزة الاستخباراتية أو المؤسسات الحكومية, إنما يوفرها الصحفيون والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية. فهناك صحفيون بعينهم مثل روبرت فيسك وصحفي السي. إن. إن السابق بيتر بيرجن, يعول عليهم كثيرا في دقة معلوماتهم عن هذا التيار. فقد أجرى الصحفيان لقاءات مع أسامة بن لادن مثلا وأتيحت لهما فرصة التعرف على بعض التنظيمات عن كثب. وهناك أكاديميون أيضا, من أمثال جيلس كيبل وماليس روتفن, وجون إل. إسبوزيتو, يمكن الاعتماد عليهم أكثر من الأجهزة الاستخباراتية من حيث دقة المعلومات عن تنظيم القاعدة. إلى هذه الأسماء تجب إضافة اسم صحفي " الأوبزرفور" عبر كتابه هذا عن تنظيم القاعدة. فميزة هذا الكتاب أنه يعد الدراسة الأكثر تفصيلا وموثوقية عن صعود وانتشار ظاهرة الإسلام السياسي وكيفية التصدي لها. فقد زار هذا الباحث كلا من العراق وباكستان وأفغانستان, وتعلم اللغتين العربية والأوردو وأجادهما. كما أتيحت له فرصة إجراء مقابلات كثيرة ومذهلة مع عدد كبير من رموز وقيادات هذا التيار, من المغرب وحتى الفلبين. الميزة الأخرى للكتاب هي أنه يعد من أحدث الدراسات التي أجريت عن هذا التيار, فضلا عن غنى معلوماته المستقاة مباشرة من ميادين وأماكن تواجد ممثلي هذا التيار. أكثر المعلومات مفاجأة ومباغتة هي أن تنظيم القاعدة بالكاد يوجد بالمعنى الحرفي للوجود المادي الملموس للتنظيم, سواء كان ذلك الآن أم سابقا. فمن رأي المؤلف أنه عبارة عن حلقة دولية ضيقة مكونة من أكثر العناصر تشددا, وأنه يضم شبكة واسعة من الأعضاء المنظمين تنظيما افتراضيا, ممن ينتشرون في شتى أنحاء الكرة الأرضية.
من رأي المؤلف أيضا أن أولئك الآلاف من المجاهدين الذين جرى تدريبهم في المعسكرات الأفغانية أيام حكم طالبان, ينتشرون أكثر ما ينتشرون في القارة الآسيوية. غير أن لهم وجودا معتبرا في ثلاث دول في منطقة الشرق الأوسط قلما ورد ذكرها في التقارير والمعلومات الاستخباراتية المرفوعة عن التنظيم. عين المؤلف أسماء هذه الدول وحصرها في سوريا وإيران والعراق. غير أنه أضاف قائلا إن حكومات هذه الدول, لا صلة لها من قريب أو بعيد با