مؤشرات الأسابيع الأولى في العام الجديد (2004) لا تبشر بخير على صعيد الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد الإرهاب. فبعد أن احتفل الأميركيون بعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في ظل إجراءات أمنية مشددة يفسد بعضها الإحساس ببهجة المناسبة، خيم الخوف على أجواء الولايات المتحدة بالرغم من الإعلان عن خطط جديدة تهدف إلى سد أية ثغرة يمكن أن يتسلل منها الإرهابيون جواً وبحراً وأرضاً. وربما كان لهذه الخطط أثر عكسي على الشعور العام بالأمن والطمأنينة. فكثرة الخطط الأمنية تدفع إلى القلق وربما تؤدي إلى مبالغة المواطن الأميركي في إحساسه بالخطر. وهذا هو ما عبر عنه الكاتب في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" ديفيد أولين في مقالة بديعة عما أسماه "الخوف الكاذب الذي أفقد حتى الحدائق دورها" روى فيه مشاعر الذعر التي انتابته في عطلة عيد نهاية العام المنصرم بسبب التحذيرات الأمنية المتوالية من وقوع هجمات إرهابية.
ففي بعض الأحيان تتصرف السلطات بشكل يقترب من الهستريا. ولا عجب إذا صدر مثل هذا السلوك عن سلطة مشغولة بالهجمات الإرهابية المحتملة أكثر من أي شيء آخر في الفترة الراهنة. وبات على الأميركيين أن يتابعوا مستوى التأهب الأمني المعلن مثلما يرقبون حالة الطقس ودرجة الحرارة في كل يوم. وغدت وزارة الأمن الوطني أو الداخلي المستحدثة بعد هجمات 11 سبتمبر هي الأكثر شهرة في الولايات المتحدة، إذ يتابع الأميركيون طول الوقت ما تعلنه عن حالة التأهب الأمني والقرارات المتعلقة برفعها أو خفضها. وقد تراوحت هذه الحالة خلال الأيام الأولى في العام الجديد بين المستوى البرتقالي وهو ثاني أعلى درجات التأهب بعد الأحمر وبين المستوى الأصفر أو المعتاد. ولا تنافس وزارة الأمن الوطني في ذلك إلا وزارة الخارجية لأن الإرهاب يأتي من الخارج.
ولكن وزارة الخارجية، التي أصدرت في العام الماضي بيانات عن مسألة الإرهاب أكثر من أية قضية أخرى، ليست معنية فقط بالأميركيين المقيمين في الخارج والذين يمكن أن يكون كل منهم هدفاً لهجوم إرهابي. وقد استهلت العام الجديد بإصدار "تحذير عالمي" من هجمات إرهابية لتذكير مواطنيها في خارج الولايات المتحدة بأنهم هدف لهجمات محتملة في ضوء ما قالت إنها معلومات تفيد أن شبكة "القاعدة" تستعد لضرب مصالح أميركية في الخارج وإنها تدرس حالياً مواقع جغرافية قد تكون هي المسرح المقبل لهجماتها التي قد تتراوح بين عمليات انتحارية وتفجيرية. وبرغم أن كولن باول يعتبر من المعتدلين في الإدارة الأميركية الراهنة إلا أن المسؤولين في وزارة الخارجية لا يستطيعون مقاومة شعورهم بالمسؤولية الكونية عن العالم كله. ولذلك فهم يصدرون من حين إلى آخر تحذيرات من الإرهاب تتسم بطابع عالمي.
ومثل هذا السلوك الذي صار معتاداً من جانب السلطات الأميركية الفيدرالية والمحلية على حد سواء يمكن أن يزيد شعور الناس بالخوف، بل ربما يخلق لدى بعضهم هذا الشعور ابتداء من دون أن يكون له أساس في الواقع. غير أن السلطات التي تقع على عاتقها مهمة تفادي أي عمل إرهابي لا يعنيها ما يشعر به الناس. فهي معنية أساساً بالواقع وليس بالمشاعر. فلا أحد يحاسبها لأن الإحساس العام بالأمن يقل والشعور بالخطر يزداد. ولكنها ستكون موضع مساءلة لا ترحم إذا نجحت "القاعدة" أو أي من أنصارها في اختراق الأمن الأميركي مرة أخرى.
ولكن مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة والتجديد النصفي للكونغرس، والذي لم يبق عليه سوى تسعة أشهر، يثار سؤال مهم هنا هو: إذا كان أداء الإدارة الأميركية الحالية في مواجهة الإرهاب وعلى صعيد ضمان الأمن الوطني هو من أهم القضايا التي ستحدد اتجاه تصويت الناخبين، فما هو معيار تقويم هذا الأداء وهل تقيس جودته اعتماداً على عدم وقوع هجمات إرهابية جديدة أم على شعور الناس بالأمن والاطمئنان؟ فهل يحكم الناخب على أداء الرئيس جورج بوش بأنه ناجح إذا نجحت السلطات في منع وقوع هجوم إرهابي خلال الشهور القادمة حتى إذا لم يكن هذا الناخب يشعر بالأمن حقاً؟ السؤال ليس بسيطاً لأنه يتعلق بمسألة معقدة بطابعها. ولكن الأرجح أن الواقع وليس الشعور هو الذي سيحدد موقف الناخب. إن عدم وقوع هجوم إرهابي جديد يخلق أملاً في تجاوز الشعور بالخوف. كما أن الأمر يتوقف على ما سيطرحه المرشح الديمقراطي المنافس لبوش. وإذا راجعنا ما يقوله المتسابقون التسعة الذين يتنافسون على تمثيل الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة القادمة نجد أنهم لا يقدمون بدائل مقنعة في مختلف المجالات بما في ذلك مواجهة الإرهاب.
وربما لهذا السبب لا ترى إدارة بوش ما يضيرها في أداء أجهزتها التي تعطي أولوية فائقة لتفادي الهجمات الإرهابية بغض النظر عن الأثر السلبي للإجراءات الكثيرة التي تتخذها على شعور المواطنين بالأمن. فالمهم هو منع أي اختراق إرهابي جديد ليس فقط من الجو، ولكن أيضاً من البحر.
فالهجمات البحرية المحتملة تشغل السلطات الأمنية الأميركية إلى حد أنها تمثل معضلة لها لأنها مسؤولة عن تأمين نحو خمسة آلاف ميناء