هل هناك أسباب قانونية وأدلة كافية تستدعي التحقيق مع أعضاء الحكومتين الأميركية والبريطانية حول ارتكاب جرائم ضد الإنسانية و/أو جرائم حرب خلال النزاع مع العراق والحرب على الإرهاب؟
الجواب: نعم. أكدت ذلك مذكرات قانونية رفعتها هيئات دولية تضم عدداً من أبرز المحامين وأساتذة القانون الدولي وحقوق الانسان. أبعاد قانونية وسياسية واسعة النطاق تفتحها هذه القضايا المثارة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والمحكمة العليا في الولايات المتحدة، والمحاكم المحلية الأميركية، إضافة إلى محاكم الرأي العام، التي يشكلها المجتمع القانوني العالمي ومنظمات الحريات المدنية وحقوق الإنسان، وعدد كبير من منظمات غير حكومية وحركات شعبية دولية تكرس جهودها للدفاع عن حقوق العراقيين والعرب والمسلمين، ودعم نضالهم ضد الاحتلال والعسف والاضطهاد.
وسيبيّن سير الدعاوى أهلية وجدارة المحكمة الجنائية الدولية، التي شرعت في ممارسة أعمالها في لاهاي عام 2002، وهي محكمة دائمة صادق معظم دول العالم على قوانينها الخاصة بمحاكمة الجرائم ضد البشرية وجرائم الحرب. وقد امتنع المسؤولون في المحكمة الدولية التصريح حول سير القضايا متعللين بعدم التعليق على مسائل تنظر بها المحكمة. إلاّ أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة أعلنت عن شروعها بالنظر في قضايا الحرب على الإرهاب التي شنتها الإدارة الأميركية في أعقاب 11 سبتمبر. ويمارس المجتمع الحقوقي والقضائي الأنغلوأميركي الذي بادر ممثلوه إلى إثارة هذه القضايا وظيفته كركيزة أساسية من ركائز المجتمع المدني ومقومات الدولة في البلدين المتحالفين، ويتحدّى القانونيون بذلك تجاوزات السلطة التنفيذية البريطانية والأميركية، ليس فقط داخل حدوديهما بل خارجها أيضاً.
وقد أشعرت المحكمة الجنائية الدولية بتسلم مذكرات قضائية عن مقتل ما بين 15 و35 ألف شخص وأعداد لا حصر لها من الجرحى نتيجة للغارات العسكرية، التي شُنت على العراق وفق استراتيجية "اصدم وارعب". ويعتبر محامون وأساتذة قانون بارزون هذه الغارات انتهاكاً للفقرة 8 في المادة 6 من قانون المحكمة الجنائية الدولية، التي تدين: "التعمّد في إيقاع الأذى الكبير والتدمير الشديد والاستيلاء على الممتلكات والتعمد في الهجوم على المنشآت المدنية وشن الهجوم مع معرفة أنه سيسبب فقدان الأرواح". واستندت حيثيات الدعاوى على إقرار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قبل وقوع الحرب أمام البرلمان بوقوع ضحايا مدنيين في حال شن الحرب، ما يعني أنه كان يعلم بأن الهجوم سيفتك بأرواح المدنيين، أو يسبب لهم إصابات. وذكر بيان صادر عن هيئة تضم 8 من أبرز المحامين وأساتذة القانون في أوروبا وأميركا الشمالية أن القانون الدولي لا يقر بعدالة المنتصرين ويطالب بمساءلة الأطراف المختلفة في النزاع.
وشملت القضايا التي أثارتها هيئات دولية تضم مختصين بارزين في قوانين الحرب وحقوق الانسان استخدام القنابل الانشطارية في المناطق المدنية في العراق وقذائف اليورانيوم المنضّب وتدمير الهياكل الارتكازية المدنية، بما في ذلك شبكات الكهرباء، وكذلك مسؤولية قوات الاحتلال البريطانية والأميركية عن تدمير ونهب الممتلكات الثقافية للعراق، وارتكاب أفعال إجرامية ضد ممثلي الإعلام الدولي، بما في ذلك القتل المتعمد لمراسلي الصحافة العربية والعالمية.
واعتبرت مذكرة رفعتها منظمة "العمل القانوني ضد الحرب" غزو العراق جزءاً من حملة إبادة بدأت مع فرض عقوبات الحظر في عام 1990. فالحصار أدى، حسب المذكرة إلى حرمان الناس من مقومات الحياة اليومية، بما في ذلك مستلزمات تنقية المياه، وذلك لإجبار العراق على تدمير أسلحته، التي اتضّح الآن أن لجنة التفتيش "أونسكوم" كانت قد دمرتها خلال عامي 1991 و1992. وكدليل على النوايا المبيّتة لإبادة العراقيين أوردت المذكرة تصريحاً مشهوراً لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، التي اعتبرت في سؤال يتعلق بوفاة 460 ألف طفل نتيجة الحظر "إنه ثمن يستحق الدفع". وتشكل سياسات قائمة على معرفة ذلك اتبّعتها الولايات المتحدة وبريطانيا انتهاكاً للفقرة 6 من المادة 8 من قانون المحكمة الجنائية الدولية. وترتفع المطالبة في بريطانيا بنشر رأي المدعي العام بصدد شرعية الحرب، الذي ادّعت حكومة توني بلير أنه أجاز لها قانونياً شن الحرب على العراق، وظهر في ما بعد التباسات عدة تحوطه أدت إلى استقالة عدد من الوزراء وأعضاء البرلمان. وتعكف حالياً مجموعة برلمانية بريطانية خاصة بالحرب والقانون على مراجعة التشريعات ذات الصلة باستخدام القوات المسلحة، ودعت اللجنة التي تضم ممثلي جميع الأحزاب الرأي العام إلى المساهمة في أعمالها.
وفي الولايات المتحدة بلغت قضية معتقلي القاعدة العسكرية الأميركية غوانتانامو في كوبا مرحلة متقدمة، حيث تراجع المحكمة العليا الحيثيات القانونية التي تتيح للمحاكم الأميركية النظر في موضوع 660 معتقلا من 44 دولة. معظم المعتقلين مسلمون وعرب، لم يُسمح لهم طوال سنتين