نظرا لكونها محور السجال الذي دار بشأن انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2000، فإن الدوائر الانتخابية في مقاطعات " فلوريدا" قامت بإنفاق ملايين الدولارات على شراء أجهزة التصويت المزودة بشاشات تعمل باللمس، ومع ذلك فإنها واجهت مشكلات كبيرة عند استخدام تلك الشاشات لأول مرة في انتخابات محافظ الولاية عام 2002. الأسوأ من ذلك أن الانتخابات التمهيدية المحتدمة الوطيس للديمقراطيين، عرضت تلك الأجهزة عند تجربتها في مقاطعة " ديد" معدلا أعلى من الحقيقة بالنسبة لعدد الأفراد الذين لم يقوموا بالتصويت وهو ما يعني أن استخدام تلك الأجهزة يمكن أن يؤثر على نتائج الانتخابات.
في الوقت الراهن هناك حركات وطنية ناشئة تقوم بالتساؤل عن مدى صلاحية ودرجة أمان تلك الأجهزة، وتنادي بالعودة إلى استخدام الأجهزة التي تعمل بالشرائط الورقية، التي يمكن الرجوع إليها للتحقق من سلامة عمليات التصويت. كنتيجة لتلك المطالبات تقوم الولايات المختلفة الآن بالتسابق على تزويد أجهزتها الحالية ببرامج وقطع تتيح لها استخدام نظام الشرائط الورقية.
بيد أن الشيء اللافت للنظر هو أن أجهزة التصويت المزودة بشاشات تعمل باللمس أثبتت نجاحا في دول أخرى مثل البرازيل وهي دولة تتشابه ظروفها الانتخابية مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة. ولعل هذا هو السبب الذي جعل الحكومة الأميركية تتحرك للاستفادة من التجربة البرازيلية في تحديث نظام التصويت بها، وخصوصا وأننا نعاني من عدم الالتزام بحيدة ونزاهة الانتخابات على المستوى الوطني بدرجة تدعو للصدمة.
ولمعالجة هذه المشكلة، قامت الحكومة الفيدرالية بتمرير " قانون التصويت المسمى " ساعدوا أميركا" بهدف وضع عدة معايير انتخابية على المستوى الوطني، كما قامت بتزويد الولايات المختلفة ببعض الأموال التي تساعدها على الالتزام بتلك المعايير.
على رغم ذلك نلاحظ أن التدريب المقدم لموظفي الإدارة المنوط بهم القيام بالأشراف على الانتخابات لا يزال محدودا، كما أن عملية اختيارهم تقوم على المحسوبية والواسطة أكثر من اعتمادها على معايير التدريب والخبرة والكفاءة. وهذا الأمر يحد من كم المعلومات التي يجب أن يتم توفيرها للولايات ، كي تقوم باستخدامها كأوراق في عملية التفاوض مع الشركات البائعة لتلك الأجهزة .
فمن الملاحظ في هذا السياق أن الشركات التي تقوم ببيع تلك الأجهزة قد قامت بتوظيف تلك الحقيقة لصالحها، كما قامت كذلك بالاستفادة من علاقاتها مع بعض المسؤولين والساسة في زيادة مبيعاتهم من تلك الأجهزة، التي يقولون إنها يمكن أن تحقق نتائج أفضل فيما لو تم استخدامها بالشكل الصحيح.
كذلك، عمدت تلك الشركات إلى تعيين بعض منظمي الانتخابات السابقين لمساعدتها على زيادة مبيعاتها، كما تمكنت من خلال الباب المفتوح بينها وبين الحكومة من تقديم التمويل لبعض الحملات الانتخابية، لدرجة أنه يمكن أن يقال في هذا السياق إنه لم يعد هناك حائط واق يفصل ما بين المؤسسات والشركات الكبرى التي يتم استخدام أجهزتها في الانتخابات، وبين السياسات الحزبية.
وليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها نظامنا الانتخابي. حيث توجد مشكلات أخرى منها البنية الأساسية الانتخابية التي تعاني من الحاجة الماسة إلى اللوائح والمعايير الانتخابية.
المفارقة هنا هو أننا بعد أحداث الحادي عشر تحركنا وقمنا بإدخال تطويرات على نظام المراقبة والرصد والتفتيش في المطارات، أما بعد ما حدث في فلوريدا في انتخابات 2000، فإننا لم نفعل شيئا يذكر بالنسبة لتطوير أنظمتنا الانتخابية.
علينا أن نتخيل واقع بديل للواقع الموجود حاليا. لنتخيل مثلا أن الحكومة الفيدرالية قد قامت باستخدام مواردها الهائلة للاستثمار في مجال تطوير تقنيات الأجهزة المستخدمة في الانتخابات بحيث تكون على أحدث المستويات وأرقاها. وأننا قد قمنا بوضع معايير انتخابية على مستوى الوطن تراعي المصلحة العامة في المقام الأول، وطبقنا نظاما للتسجيل يضمن لنا خلو عملية التصويت من أي تزوير أو تلاعب، وذلك بدلا من النظام الحالي الذي أدى إلى غياب ما يقرب من ثلث عدد الأميركيين في سن التصويت من المشاركة في العملية الانتخابية.
علينا أن نتخيل ذلك، ثم نعمل على تحويل الخيال إلى واقع ملموس لأنه لم يعد في مقدورنا السكوت على نظام لإدارة الانتخابات من الواضح أنه قد ضل ضلالا بعيدا.
ستيفن هيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محلل أول بمركز التصويت والديمقراطية بسان فرانسيسكو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روب ريتشي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدير تنفيذي للمركز الانتخابي في تاكوما بارك بولاية ماريلاند
ــــــــــ