فرح الكثيرون في العالم الإسلامي عندما زحفت القوى الشعبية بقيادة رجال الدين في إيران وأزالت حكم الشاه الذي تولت عائلته الحكم لعقود طويلة. الفرحة الشعبية لم تكن تأييدا لحكم الملالي في إيران بقدر ما كانت فرحة إزالة حكم بائس حول إيران إلى ملكية خاصة وأشاع الخوف والاستبداد فيها.
الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها إيران بعثت الأمل من جديد لدى الشعوب الإيرانية ولقيت ترحيبا من دول العالم المتقدم. فالولايات المتحدة الأميركية ترى في حركة التغيير استكمالا لبرنامجها في إزالة الدكتاتوريات في العالم الإسلامي. أدركت إيران خطورة الموقف الذي تواجهه وبدأت بفتح أبوابها لوكالة الطاقة الذرية تفاديا لأية مواجهة محتملة.
وربما انضمام الاتحاد الأوروبي بممارسة الضغوط على طهران يؤكد تغييرا في سياسة أوروبا تجاه طهران، فأوروبا لا تريد تكرار خطئها في حرب تحرير العراق. زيادة الضغوط التي تتعرض لها طهران تشكل هاجسا لحكم رجال الدين وتدعوهم للتعجيل في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والحد من انتشار الفساد وارتفاع نسب البطالة.
نموذج الدولة الدينية تواجهه أزمة كبيرة في تنفيذ برامجه الإصلاحية التي وعد بها، ما زاد من إحباطات قطاع الشباب وبدأ يتطلع للتغيير وإلى حياة جديدة يضمن فيها التعددية وإتاحة الفرص للأجيال الشابة في إدارتها لشؤون بلادها.
أحداث عنف 99 تتكرر، وتؤكد أن جيل الشباب سئم من الحكم الديني الذي ثبت عجزه في تقديم نموذج حضاري في إدارة الحكم، وفشل في تقديم حلول لمشكلات عصرية لم يتعامل معها في السابق، أحيانا قد لا يجد إجابات شافية لها بالدفاتر الدينية القديمة.
والسؤال الكبير الذي ربما نحتاج التفكير فيه إلى أي مدى يستطيع الحكم الديني أن يدير الدولة الحديثة ؟ وهل فشل النموذج الإيراني يضعف تيارات الإسلام السياسي في حلمهم في إقامة الدولة الدينية ؟ نموذج الدولة السنية الذي أقامه حكم طالبان ثبت فشله، ولم يستطع التعامل مع العالم بل وقع بتصادم مع حضارات وثقافات مغايرة، ما جعل العالم يحشد قواه ضد النموذج السني في أفغانستان، فالإخفاقات التي واجهتها الدولة الدينية بشقيها السني والشيعي، تدعونا أن نعيد التفكير في قدرة هذا النموذج على قيام دولة حديثة.
إخفاقات الدولة الدينية جعلت من النموذجين السني والشيعي يحشدان قواهما ضد أي محاولة للتغيير، فتواجد جماعات القاعدة ذات التوجهات السنية المحافظة مع الملالي في إيران يؤكد هاجس الخوف المشترك .
على دعاة الدولة الدينية تقديم تصورات عقلانية وعصـرية في مواجهة العالم الجديد، فـلا يمكن للنموذج الأحادي أن يقدم نمطاً حضارياً في إدارة السلطة. والإخفاقات التي مر بـها عالمنا العربي أكدت فشل أحادية الحكم العلماني، كما أن الأحداث الحالية تؤكد أن النموذج الديني الأحادي لا يملك القدرة على استيعاب فهم التعددية كسبيل في إنشاء الدولة الحديثة.
التيارات الدينية باختلاف مذاهبها وتوجهاتها السياسية، عليها أن تعيد تقييم تجاربها وأن لا تكرر أخطاء القوى الثورية التي طرحت نفسها كقوى قادرة على إنشاء الدولة الحديثة عندما تولت الحكم في الخمسينيات والستينيات. قيام الدولة الحديثة يستدعي موقفا واضحا حيال قضايا عالمية مثل حقوق الإنسان وحرية الاعتقاد والتفكير والتعددية السياسية، وطالما بقيت هذه القضايا غير محسومة إسلاميا يبقى نموذج الدولة الدينية حلما في أذهان مؤيديه.