"أنا لا يهمني ما إذا كنت تسميها الحرب العالمية الثالثة, أو حتى الحرب العالمية الرابعة.. ما يهمني هو أنها شيء يبعث على الخوف".
كان هذا هو الوصف الذي وصف به أحد طلابي الموجة الحالية من موجات الإرهاب، التي بدأت منذ جيل تقريبا، ثم ازدادت وتيرتها بعد انتهاء الحرب الباردة. وهي تلك الموجة التي أشار إليها الرئيس بوش مرارا وتكرارا في خطابه الأخير عن " حالة الاتحاد" ،لافتا النظر في كل مرة إلى عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين المنتشرين في أركان المعمورة الأربعة لمواجهة هذا التحدي.
أما الرافضون دائما، والمبرمجون على رفض أي شيء يؤكده الرئيس، بصرف النظر عن موضوعه، فيعتقدون أن بوش يقوم بالتهويل من شأن الخطر الإرهابي. وهم يرون أن هناك دوافع أخرى تحرك بوش، وتجعله حريصا على أن يبقي الأمة الأميركية في حالة خوف، وتأهب دائم ، وليس في ذهنها شيء سوى الإرهاب العالمي. وهذه الدوافع في نظرهم هي أن بوش يريد أن يصبح حر الحركة، طليق اليد، فيما يتعلق بتحديد، ومتابعة، الأجندة السياسية الأوسع نطاقا للولايات المتحدة الأميركية.
قد يكون لدى المنتقدين لسياسة بوش من الأسباب ما يجعلهم يقفون ضده، وينتقدون سياساته.. بيد أن الأميركيين يجب ألا يسمحوا لمثل تلك الأفكار المسبقة، أن تقوم بصرف أنظارهم عن رؤية حقيقة التهديد الذي يمثله الإرهاب على أمنهم وسلامتهم.
وإذا شئنا التعليق على ذلك، فإننا نكتفي بالقول بأن الرئيس بوش لم يبالغ في وصف مدى تعصب، وقدرة، وقوة، وإصرار تنظيم "القاعدة "، وغيره من التنظيمات الإرهابية. والأميركيون الذين ينتابهم أي شك بشأن مدى انتشار، وسوء نية، تلك التنظيمات الإرهابية.. يخطئون في حق أنفسهم، ولا يدركون حجم الصدمات النفسية التي يمكن أن يتعرضوا إليها، إذا ما سمحوا للجهل بأن يغريهم بعدم الاستعداد والتأهب للهجمات الإرهابية المحتملة في المستقبل، فيحدث لهم مثل ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001.
بدلا من ذلك، يجب على الأميركيين أن يحافظوا على رباطة جأشهم، ويعدون أنفسهم لجولات طويلة في هذا الصراع، الذي سيستمر حتى ما بعد انتهاء فترة ولاية بوش الحالية أو القادمة لو نجح في الانتخابات، بل وربما يتجاوز ذلك لما يليه من رؤساء ديمقراطيين أو جمهوريين، ولعقود قادمة.
وفي الحقيقة أن مشكلة الإرهاب الأزلية، التي ابتليت بها البشرية منذ آلاف السنين، لن تختفي بصورة كاملة أبدا. وأقصى ما يمكن لمجتمع متحضر أن يطمح إليه في هذا الصدد، هو أن يحارب عناصر الإرهاب النشطة، ويقيم حصونا دفاعية قوية في مواجهتها، في نفس الوقت الذي يقوم فيه، وعلى نحو جسور، بالتعامل مع الجذور السياسية، والاقتصادية، والدينية، لهذا العنف السياسي الخبيث والمدمر.
ومما يذكر في هذا السياق، أن المحللين قد أشاروا إلى أن وصف هذا الصراع بأنه " حرب عالمية" ضد الإرهاب، يثير قدرا من الالتباس والخلط لدى الكثيرين، لأنه يحيل مباشرة إلى الحرب في صورتها الكلاسيكية بما فيها من أعداء واضحين، وقواعد اشتباك تقليدية، وأنشطة حربية محدودة المدة، وتحديد دقيق للمنتصر أو المهزوم. ويضيف هؤلاء المحللون متسائلين: كيف يمكن للإرهابيين الذين يتجمعون عادة على شكل خلايا صغيرة للقيام بهجماتهم، أن يشنوا حربا على سكان العالم البالغ عددهم ستة آلاف مليون نسمة ؟
من الأمور المتفق عليها أنه من الأسهل لنا أن ننظر إلى الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية على أنهما صراع عالمي، لأن ما حدث فيهما يتفق تماما مع تصورات الشعوب عن الصورة التي تكون عليها الحرب العالمية عادة. وحتى الحرب " الباردة " التي ترددت أصداؤها عالميا، والتي تستحق أن نطلق عليها وصف " الحرب"، كانت تتضمن عناصر تقليدية، حتى وإن كانت قد دارت فوق ساحة غير تقليدية، وخاضت غمار معاركها العديدة قوى غير تقليدية، ليس لها جدول زمني يمكن تحديده مقدما.
إذن من الأفضل بناء على ذلك أن يتم وضع الحرب الحالية في قالب الحرب الباردة، مع الحرص في الآن ذاته، على عدم النظر إليها على أنها تعني شيئا أقل من حرب كونية.
وفي الحقيقة أنني شخصيا قد قمت بتسميتها الحرب العالمية الرابعة لسنوات، مع إقراري في نفس الوقت، بصواب موقف المحللين الذين كانوا قد استخدموا مصطلحا مشابها قبل عقد من الزمان.
إن المدى الذي تستطيع أن تصل إليه ضربات التنظيمات الإرهابية الموجودة حاليا لم يسبق له مثيل من قبل. يرجع ذلك لكفاءة تلك المنظمات في استخدام التقنيات الحديثة، ووسائل الاتصال المتطورة، وغيرهما من وسائل وأدوات عصر العولمة، وأيضا بفضل تواجدها في العشرات من البلدان، واستراتيجيتها الجديدة نوعا ما، التي تقوم على تكوين تحالف يضم جماعات وشبكات إرهابية ، بهدف إحباط جهود الحرب التي تشنها دول العالم المختلفة عليها.
يبقى لنا فقط أن نقول إن الحرب العالمية الرابعة، تتجاوز بكثير ما يعرف باسم الإسلام الجهادي. فهناك منظمات لا حصر لها ترتدي قبعات دينية روحانية تستمد إلهامها – كما يفترض- من أديان أخرى