كان الرئيس الفرنسي قد أكد على أنه يؤيد إصدار قانون يحظر الإشارات الدينية ومن بينها الحجاب في المدارس الحكومية . وسوف يعرض مشروع القانون قريبا على البرلمان الفرنسي . وفيل في تفسير ما قاله الرئيس الفرنسي إن فرنسا متمسكة بالعلمانية بما يعني حيادية التعليم العام فالأمر ليس موجها للمسلمين خاصة وإنما ينطبق على كل الأديان في المدارس العامة ، حيث يحظر وضع إشارات تعبر عن الانتماء لديانة ما .
ولا يمكن القول بأن المسألة شأن داخلي فرنسي طالما أن أثرها سوف يمتد لخمسة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا ومن هنا فمن حقنا أن نتدخل ونوضح رأينا وخطورة الأمر ، بوصف أن المسلمين داخل فرنسا لهم حقوق يتعين الحفاظ عليها ، ولا شك أن كل ذلك سيكون له تأثير على البرلمان الفرنسي صاحب القول الفصل في الأمر
كما لابد من السعي لتوضيح الرأي الدستوري في المسألة أمام المجلس الدستوري الفرنسي .
وتبدو مشكلة الحجاب ومحاولة منعه في فرنسا أسوة بالصليب المسيحي والقلنسوة اليهودية أمرا بالغ الغرابة ذلك أن المساواة بينهما غير صحيحة فالصليب والقلنسوة هما رمز ديني يدل على الانتماء لدين معين وهو ما يمكن تشبيهه بارتداء مسلمة لسلسلة ذهبية مكتوب عليها مثلا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أو يتدلى منها مصحف .
والحجاب يؤدي وظيفة منصوص عليها في الكتاب والسنة أما الرمز فلا ، حيث يستر الحجاب الشعر وهو أمر وجوبي وليس اختياري كالرمز .
وكانت قد صدر في الماضي من مجلس الدولة الفرنسي أحكام تؤكد على حرية لبس الحجاب وألغيت قرارات اتخذتها الإدارة " وليس قوانين بالطبع " بطرد طالبات ارتدين الزي الإسلامي استنادا لحرية التعبير المعترف بها للطلبة في إطار مبادئ الحياد والعلمانية والتعليم العام .
ومشكلة فرنسا الواضحة والظاهرة لمتخصصي القانون الدستوري أنه لا يوجد فيها رقابة لاحقة على صدور القوانين ، وأيما كانت العيوب الدستورية في القانون فإنه طالما قد صدر فإن القضاء يلتزم بتطبيقه دون قدره على إلغائه مهما كانت عيوبه الدستورية ومخالفته للدستور الفرنسي ومبادئ حقوق الإنسان .
فالرقابة على القوانين في فرنسا هي رقابة سابقة على صدور القانون ، وتتم عن طريق المجلس الدستوري الفرنسي ، لا رقابة لاحقة مثل تلك الموجودة في مصر والولايات المتحدة الأمريكية ، ولا شك أن الرقابة اللاحقة هي الأفضل على الإطلاق .
وأحسن وصف قيل في الرقابة الدستورية السياسية على مشروعات القوانين الموجودة في فرنسا والتي اصطلح على تسميتها بالرقابة السابقة أنها رقابة في الفراغ تكون قبل أن تظهر عيوب التشريع الواضحة ومخالفته للدستور .
فإذا أفلت مشروع القانون من الرقابة المذكورة تعذر إلغاؤه إلا بمعرفة البرلمان ذاته .
ولابد أن يتعلم المسلمون من تجاربهم المريرة مع فرنسا ولا يكرروا ذات الغلطة ، فقد حدث أن جاء مثقف مسلم فرنسي وهو " رجاء " جارودي ليجادل في عدد اليهود القتلى فاتهم بمخالفة قانون جيسو والذي يحظر أي مناقشة أو بحث أو تساؤل عما تعرض له اليهود على يد النازي وقدم للمحاكمة نظير ذلك ، رغم أن العديد من الفقهاء وقتها قد أكدوا على عدم دستورية القانون لمخالفته لحرية التعبير المحمية دستوريا .
وقد يكون مفهوما مثلا أن تندفع فرنسا لمنع النقاب أما الحجاب فلا.
وحدث في مصر مثلا أن منع النقاب واختلفت المحاكم حول صحة ذلك فذهبت المحكمة الإدارية العليا في أحد أحكامها بشأن النقاب إلى أنه إذا كان جمهور علماء المسلمين رأوا أن وجه المرأة ليس بعورة ، فيجوز لها الكشف عنه فإنهم لم يحظروا عليها ستره إلا في الطواف حول الكعبة المشرفة ، كما أن هناك علماء رأوا وجوب حجب المرأة وجهها بصفة عامة . ومفاد هذا أن إسدال المرأة النقاب على وجهها إخفاء له عن الأعين إن لم يكن واجبا شرعا في رأي فإنه كذلك في رأي آخر ، وهو في جميع الأحوال غير محظور شرعا ، والقانون لا يحرمه والعرف لا ينكره
وبذا يظل النقاب طليقا في غمار الحرية الشخصية ومحررا في كنف الحرية العقيدية ، فلا يجوز حظره بصفة مطلقة أو منعه بصورة كلية على المرأة ولو في جهة معينة أو مكان محدد
فهو يمثل تعريفا وافيا لصاحبته ومظهرا مغريا بالحشمة ورمزا داعيا للخلق القويم
وفي حالة وجود ضرورة للتعرف على الشخصية كدخول الامتحان ِأو حرم الجامعة رخصت المحكمة سدا للذرائع وللضرورة تخصيص امرأة من بني جنسها للتثبت من شخصية المنقبة
وهكذا يستخلص من هذا الحكم أمران :
أولهما أن الحظر المطلق على ارتداء النقاب غير جائز على جهة الإدارة .
ثانيا إن الضرورة تجيز التحقق من شخصية المرأة سدا لذريعة أو لأخرى وبالطبع بالطريق الشرعي المناسب
ومع ذلك فقد أخذت المحكمة الدستورية العليا المصرية اتجاها معاكسا بشان النقاب في حكم لها صدر سنة 1996 . وتتحصل وقائع الحكم في أن فتاتين منقبتين منعتهما لإدارة المدرسة من دخولها استنادا لصدور قرار من وزير التعليم بمنع دخول الطالبة المنقبة للمدرسة فرفع أبوهما دعوى أم