هل أدت الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على نظام صدام، إلى صرف أنظارها بعيدا عن موضوعات أكثر أهمية وإلحاحا على رأسها الحرب الأوسع نطاقا التي تشنها على تنظيم القاعدة ؟
الكثير من كبار الديمقراطيين يناقشون هذه القضية هذه الأيام. وإذا ما وضعنا في الحسبان أننا الآن في موسم سياسي فإن آراء الناس حول هذا الموضوع تميل إلى اتباع نفس الآراء التي يتبعها الحزب الذي ينتمون إليه. وبدلا من قيامنا بمجرد إعطاء إجابة بالنفي أو الإيجاب عن هذا السؤال، فلعل ما يجدر بنا هو أن نقوم بوضع إطار لتقييم مثل هذا السؤال المعقد بطريقة تحليلية سليمة.
أولا: من ناحية القوات المقاتلة الأميركية: عقب الحرب الباردة قامت إدارة "جورج بوش" الأب، ومن بعدها إدارة " بيل كلينتون"، بإعادة تصميم شكل قوات الدفاع الأميركية، بحيث تكون قادرة على خوض حربين في الوقت نفسه. كما أصبحت البلاد التي يقودها حكام من نمط صدام حسين، وكيم جونج إيل، هي الشاغل الرئيسي للولايات المتحدة. وبرغم أن إدارة جورج بوش الابن فشلت في التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب الصعبة في العراق حاليا، فإن القادة العسكريين في تسعينيات القرن الماضي كانوا أكثر حرصا بكثير فيما يتعلق بتوقع ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وبالتالي قاموا بتصميم شكل القوات بحيث تكون قادرة ليس فقط على كسب الحروب، ولكن أيضا على تحقيق وتأمين السلام بعد أن تضع تلك الحروب أوزارها.
بالطبع لم يكن هناك أحد يتوقع حدوث حرب في أفغانستان قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولكن الحرب هناك جاءت على شكل عملية عسكرية صغيرة لا يمكن أن تقارن بما يمكن أن تكون عليه الحرب مع دولة مثل كوريا الشمالية. ومن هنا فإن الاستراتيجية الدفاعية الأميركية تقوم على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون قادرة على خوض حربين في الوقت نفسه.
لقد قامت الولايات المتحدة باستخدام نصف عدد الجيش ونحو ثلث قوات "المارينز" في وقت واحد في الحرب على العراق ومعهم قطاعات أخرى من القوات المسلحة، بحيث وصل عدد تلك القوات في وقت من الأوقات إلى 300 ألف جندي.
في الوقت نفسه لم يزد عدد القوات الأميركية المستخدمة في أفغانستان والبلدان والمياه المحيطة عن 25 ألف جندي في أي وقت.
ما نخلص إليه في النهاية بالنسبة لهذه النقطة أن القيام بشن حربين مثل الحرب الأفغانية والحرب العراقية في وقت واحد وبطريقة متقاطعة أمر يتجاوز الطاقة الحقيقة للقوات المسلحة الأميركية.
ثانيا: مسألة إعادة تزويد الطائرات بالوقود والذخائر الدقيقة التوجيه وغيرها من الموجودات والمعدات المتخصصة، فعلى رغم أن أعداد الجنود التي اشتركت في الحربين كانت كافية، إلا أنه كانت هناك عقبات تشكل قيودا على حركة تلك القوات تتعلق بعمليات تزويد الطائرات بالوقود التي وصلت إلى طاقاتها القصوى قبل شن الحرب على العراق، على رغم محدودية الحرب على أفغانستان. كما أن استخدام الذخائر الدقيقة التوجيه وغيرها من المعدات المتطورة كان مبالغا فيه في الحرب الأفغانية واستنفذ أو كاد المخزونات الموجودة منها، مما كان يستلزم تعويضها قبل شن الحرب على العراق.
ثالثا: القوات الخاصة والموجودات الاستخباراتية: اضطرت الولايات المتحدة إلى تحويل بعض القوات الخاصة والموجودات الاستخباراتية مثل أقمار التجسس، والطائرات التي تطير بدون طيار والمترجمين والمحللين القادرين على فك الشفرات التي يستخدمها تنظيم القاعدة إلى العراق، مما شكل تأثيرا كبيرا على كفاءة تلك القوات في أفغانستان، كما أثر على أدائها وعلى تحقيق الأهداف المتوخاة من تلك الحرب في الأساس.
والحدود الحقيقية التي تحد من فعالية القوات المسلحة الأميركية في العمل ضد تنظيم القاعدة ذات شقين: إنه نتيجة لما سبق، أصبحت تلك القوات تجهل الأماكن التي يتواجد فيها أفراد تنظيم القاعدة في معظم الأوقات. الثاني، إن عددا كبيرا من قيادات وأفراد تنظيم القاعدة يعمل الآن من باكستان. وعلى رغم أنه قد حدث نوع من التعاون مع الاستخبارات الباكستانية في هذا السياق، إلا أن المحصلة النهائية كانت هي أن تحويل تلك الموجودات إلى العراق قد أثر على فعالية القوات المسلحة الأميركية في أفغانستان.
أخيرا، هناك القليل من المؤشرات على أن أيا من الحلفاء الرئيسيين قد قام بتخفيض التعاون الاستخباراتي مع أميركا، أو قام بتخفيض مشاركته في عمليات فرض النظام والقانون بسبب الاختلاف بينه وبين الولايات المتحدة بشأن الحرب على العراق.
بعد أن قلنا كل ذلك، يمكننا أن نضيف أن المنتقدين من الديمقراطيين على صواب فيما يتعلق بنقطتين: إن الولايات المتحدة لم تقم بنشر قوات كافية لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، بسبب انشغالها في مواجهة عمليات التمرد التي تمت عقب الإطاحة بنظام صدام في العراق.
الثاني إن المهمة الأميركية في العراق، والتي يتوقع أن تستمر لسنوات، تهدد بتشتيت القوات المسلحة الأميركية بسبب انشغالها في الوقت الحالي في عمليات في البلقان وأفغانستان إضافة للعراق، وبسبب وجود