بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر شعرت واشنطن بأن السكوت على الأنظمة الديكتاتورية سيهدد في نهاية المطاف أمن الولايات المتحدة، ذلك لأن المسؤولين الأميركيين أدركوا، لكن بعد فوات الآن، أن الشعوب التي ترزح تحت نير الديكتاتورية والتسلط تشكل بيئة خصبة للإرهاب والتطرف. بيد أن نشر الديمقراطية في بلد ما عملية ليست بالسهلة خصوصاً وأنها ترتكز على منظومة متكاملة من القيم والسلوكيات التي تنشأ مع الفرد منذ نعومة أظافره. واشنطن تروج هذه الأيام لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط, لكن قبل الحديث عن هذه المسألة لابد أن تمعن الإدارة الأميركية في أحد أهم الأسباب التي تحول دون تفعيل الديمقراطية في هذه المنطقة المضطربة، ألا وهو الصراع العربي- الإسرائيلي، فبعض البلدان العربية تؤجل الحديث عن الحريات العامة وحقوق الإنسان بحجة أن عدواً خارجياً يتربص بها ويحاول الفتك بجبهتها الداخلية عبر شعارات تراها هذه البلدان زائفة كالديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.
وبدلاً أن تصبح دول المنطقة العربية مضطرة لاستيراد "ديمقراطية غربية مستنسخة" يتعين على هذه الدول تفعيل آليات ومؤسسات خاصة بها تحفظ الخصوصية الثقافية لمجتمعاتها، فأميركا لا تريد فرض نمط ديمقراطي بعينه لكنها تهتم بوجود آليات تضمن من خلالها حرية التعبير والانتقال السلمي للسلطة.
وفي عالم ما بعد سبتمبر وبعد أن أصبحت الديمقراطية مطلباً أميركياً يتعين على دول المنطقة تقوية جبهتها الداخلية حتى لا تدخل هذه الدولة في معركة مع الولايات المتحدة. وتجارب الأمس القريب تؤكد على أن التماسك الداخلي يجعل أية دولة مهما كانت قدراتها العسكرية أقدر على مواجهة التحديات الخارجية، فالأنظمة عادة ما يتم إسقاطها من الداخل، ومن ثم يتعين على دول المنطقة الإسراع في عملية التحول الديمقراطي قبل أن تجد نفسها مضطرة لذلك.
أحمد عادل - القاهرة