خلال هذا الشهر, فوجئ راكبو الدراجات الهوائية في مدينة شانغهاي بمنعهم من قيادة دراجاتهم في مسارات معينة في عدد من الشوارع الرئيسية في المدينة. وبحلول العام المقبل, من المتوقع أن يتم منعهم نهائيا من امتطاء دراجاتهم في أي من تلك الشوارع كلها. فما هو السبب وراء تحريم هذا النوع المنتشر من وسائل المواصلات هناك؟ السبب هو إتاحة الشوارع العامة وفتحها بالكامل أمام السيارات التي يتكاثر عددها بمعدل أحد عشر ألف سيارة أسبوعيا تجتاح شوارع المدن الصينية الفرعية منها والعامة! لا شك أن هذه بادرة انتعاش اقتصادي واضح في بلد من بلدان العالم النامي. ولكن هل يعني هذا التحول الاستهلاكي أن العالم يمضى باتجاه أفضل؟ يجيبنا عن هذا السؤال كريستوفر فلافين رئيس معهد " وورلد ووتش" وهو أحد مؤسسات الأبحاث في واشنطن. فمن رأي فلافين أن ارتفاع معدل الاستهلاك قد ساعد في تلبية المتطلبات والحاجات الأساسية, فضلا عن إسهامه في إنشاء وظائف جديدة. ولكنه يتحفظ على الإطراء المطلق على ظاهرة ارتفاع معدل الاستهلاك بقوله: لكن وعلى إثر دخولنا هذا القرن الجديد, فإن في وسع هذه الشراهة الاستهلاكية أن تجعل عالمنا عالما أسوأ, وذلك بتدميرنا للنظام الطبيعي الذي نعتمد عليه جميعا كبشر. الأسوأ من ذلك, أن تحولا كهذا في النمط الاستهلاكي, سيضع مصاعب أكبر أمام الفقراء, ويجعلهم يواجهون تحديات بالغة في سبيل توفير حاجاتهم ومتطلباتهم الأساسية.
تلك هي الرسالة التي ينطوي عليها تقرير" حالة العالم" الذي أعده معهد " وورلد ووتش" لهذا العام. فالتقرير عبارة عن تجميع وتحليل لمواد ومعلومات تكفي لتأليف كتاب كامل. تعود هذه المعلومات إلى السنوات الممتدة منذ عام 1984 وإلى اليوم. يجدر بالذكر أن القضية التي سلط عليها التقرير هذا العام هي النمو الملحوظ لما أسماه التقرير" طبقة المستهلكين" على المستوى العالمي. ويندرج في هذه الطبقة كل فرد يصل مستوى استهلاكه السنوي, إلى ما يقدر بسبعة آلاف دولار سنويا- وهو معدل الفقر كما نعلم في أوروبا-. وقد نمت هذه الطبقة جراء توسع النشاط الاقتصادي المرتبط بتسارع وانتشار مد العولمة, وما ارتبط بها من انفتاح للأسواق ورفع الكفاءة التكنولوجية وغيرها. وهذا كله هو ما يفسر وجود ما يزيد على المليار هاتف محمول على امتداد العالم اليوم.
هذا ويفوق عدد أفراد هذه الطبقة الاجتماعية 1.7 مليار نسمة. ولا غرو أن يكون معظمهم من أميركا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان. وتبلغ نسبة أفراد هذه الطبقة في البلدان المذكورة ما يتراوح بين 85- 90 في المئة. غير أن ما يقارب نصف أفراد هذه الطبقة العالمية, يوجدون حاليا في الدول النامية. ففي الهند والصين وحدهما, يوجد حوالي 362 مليونا منهم. وذلك رقم يفوق عدد أفراد الطبقة نفسها, في أوروبا الغربية كلها. ومما لا شك فيه أن هذا يمثل مؤشرا إيجابيا على تحسن مستويات الرعاية الصحية والتعليم والأوضاع المعيشية والاجتماعية- مثلما هو حال تحسين أوضاع النساء مثلا-. لكن وفي المقابل فإن هناك ما يقارب الثلاثة مليارات نسمة تقريبا من سكان العالم يعيشون حد الكفاف, حيث لا يتجاوز معدل إنفاقهم المعيشي اليومي دولارين اثنين! فعلى هؤلاء أن يتحايلوا على إنفاقهم بطريقة ما, بحيث يستطيعوا تلبية حاجاتهم ومتطلباتهم الأساسية. وتتمثل هذه الحاجات في توفير مياه الشرب النظيفة الصالحة, الطعام, والإصحاح البيئي. هذه هي إفادة براين هالوي المدير المشارك لمشروع " حالة العالم" لعام 2004. على عكس ذلك, يقول براين: ففي الصين أدى نمو معدل الاستهلاك, إلى حفز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة, إضافة لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية. لكن وحتى في هذه البلدان مثل الصين, فإن ثمة مخاطر وكوارث اقتصادية اجتماعية وبيئية تنذر بها هذه الموجة العالية لمعدلات الاستهلاك. وفقا لتقرير" وورلد ووتش" الذي سبقت الإشارة إليه مرارا, فإن هذه المخاطر يمكن تلخيصها كما يلي.
أولا: إلحاق الدمار بالغابات والأراضي الماطرة والثروة السمكية وغيرها من الموارد الطبيعية التي تمثل مصدرا للغذاء العالمي. وهناك عاملان رئيسيان يحدثان هذا الدمار, هما التلوث البيئي واستنزاف الموارد نفسها, جراء النهم والاستخدام غير المتوازن من قبل المستهلكين. ثاني المخاطر المتوقعة: حدوث ارتفاع هائل في معدلات زيادة الوزن والسمنة بين السكان, إضافة للتورط والغرق في الديون الشخصية. كما يتوقع أيضا حدوث شح مريع في الزمن بسبب حاجة الناس للعمل لساعات أطول كي يتمكنوا من تلبية متطلباتهم وإشباع رغبتهم العارمة في الاستهلاك. وثالثها: هناك ما يشير إلى أن ارتفاع معدل الاستهلاك لا يعني بالضرورة أن الأفراد يعيشون حياة سعيدة ومعافاة. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال, ارتفع مستوى دخل الفرد إلى ما يزيد على الضعف خلال الفترة الممتدة من 1957- 2002. ويفوق عدد السيارات هناك عدد السائقين المرخصين. كما أصبحت المنازل أكبر من حجمها الذي كانت عليه في عام 1957. ولكن ما أن وجهت