في العشرين من هذا الشهر ألقى الرئيس الأميركي الخطاب السنوي عن حالة الاتحاد الذي يمكن أن يكون آخر خطاب يلقيه في هذه المناسبة إذا قُدر له أن يخسر الانتخابات الرئاسية القادمة. لا شك أن الرجل قد ألقى خطابه وهاجس هذه الانتخابات يؤرقه، ولذلك حاول قدر طاقته أن يكون مؤثراً وهو يدافع أمام العالم عن سياسته الراهنة التي لم تعد قطاعات واسعة من العرب والمسلمين والأوربيين هي وحدها التي تختلف معه بشأنها وإنما أُضيفت إليها دوائر آخذة في الاتساع في وطنه نفسه. وفي هذا السياق أكد في ختام خطابه أن الأميركيين كانوا جميعاً شركاء في ذلك المسعى العظيم: يقصد مواجهة الخطر الذي يحيط ببلاده كما يراه هو، وحرص على تبيان أن الصغار أيضاً يفهمون ويشاركون، فروى أن طفلة أميركية تدعى آشلي بيرسون عمرها عشر سنوات أرسلت له في الشهر الماضي رسالة تقول فيها : " إذا كنت تعرف أية طريقة أستطيع من خلالها مساعدة أي شخص فأرجو أن تبعث لي برسالة تخبرني فيها بما أستطيع القيام به لحماية بلادنا"، وأضافت " إذا كنت تستطيع أن تبعث بخطابي هذا إلى قواتنا فأرجو أن تضيف عبارة أن آشلي تثق بكم". نصحها بوش في خطابه بأن تدرس بجدية وتطيع والديها وأن تقدم العون لمن يحتاجه، " وعندما ترين أنت أو أصدقاؤك مواطناً بالزي العسكري قولي شكراً".
أتراه كان فخوراً بأنه استطاع أن ينقل الإحساس بالخوف حتى لأطفال الولايات المتحدة الأميركية كما كان فخوراً وهو يُعدد انتصاراتها على الإرهاب ومصادر التهديد لأمنها: لقد مر، حسب قوله، ثمانية وعشرون شهراً منذ أحداث 11 سبتمبر دون أن يتعرض التراب الأميركي لأي هجوم، وتم القبض على حوالي ثلثي قادة القاعدة المعروفين أو قتلهم، وتم القضاء على نظام حكم طالبان في أفغانستان وصدام في العراق، وتعهد الزعيم الليبي طواعيةً بالكشف عن برامج نظامه لأسلحة الدمار الشامل بعد أن اقتنع بأن بلده سيكون في وضع أفضل وأكثر أمناً بدون أسلحة القتل الجماعي، وأرجع – أي الرئيس الأميركي- نجاح الدبلوماسية الأميركية والبريطانية تجاه ليبيا في أن تحقق في تسعة شهور ما عجزت عن تحقيقه في 12 سنة مع العراق إلى سبب واضح هو أنه " لكي تكون الدبلوماسية فعالة لابد أن تكون الكلمات ذات مصداقية، وليس بوسع أحد أن يشكك في مصداقية كلمة أميركا". لكنه مع تعداد كل هذه الإنجازات كان حريصاً على أن يؤكد على استمرار الخطر كمصدر لشرعية سياسته، فوصف القول بأن الإرهابيين والنظم المارقة لا يخططون لتهديد الولايات المتحدة بأنه أوهام، وأكد على أنه " قد يكون مغرياً أن نظن أن الخطر علينا قد زال، هذا أمل يمكن فهمه وهو يبعث على الراحة. غير أنه أمل مخادع، فقد استمرت عمليات القتل في بالي وجاكرتا والدار البيضاء والرياض وممباسا والقدس واسطنبول وبغداد، ويستمر الإرهابيون في التخطيط للقيام بعمليات ضد أميركا والعالم المتحضر". ومن الطريف أن كلمة القدس في هذا السياق كانت هي الكلمة الوحيدة التي ورد فيها ذكر لشيء يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، ولا نريد أن نزيد الأمور طرافةً بتوهم أنه ربما يقصد عمليات القتل المتبادلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ذلك أن توجهاته وسياساته لا تدع مجالاً للشك في أنه لم ير أي تهديد لأي شيء في كل ما ترتكبه إسرائيل في الأراضي المحتلة من جرائم تجاوز ضحاياها في أقل من أربع سنين ضحايا كافة العمليات الإرهابية التي أشار إليها بوش في خطابه والتالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ولكي يستبق حجج القائلين بأن مبرره الرئيسي لغزو العراق كان زائفاً أصر على أن يلوي الحقائق بطريقة يُحسد عليها بالقول في عبارات غامضة مضطربة, هناك تقرير كاي الذي حدد بالفعل عشرات من برامج أسلحة الدمار الشامل، وتم العثور على كميات كبيرة من المعدات في العراق التي أُخفيت عن الأمم المتحدة، وأضاف أن الولايات المتحدة لو لم تتحرك لكانت برامج الديكتاتور لإنتاج أسلحة الدمار الشامل مستمرةً إلى يومنا هذا متجاهلاً أن قواته وحلفاءه لم يستطيعوا حتى الآن أن يثبتوا امتلاك العراق لبرامج أسلحة دمار شامل عشية غزوه.
ولأن بوش ما زال يرى الخطر عظيماً فلابد من مواجهة تتناسب معه، وقد تحدث في خطابه عن مواجهة ثلاثية الأبعاد بعدها الأول موجه للساحة الأميركية وبعداها الآخران لمن هم خارج الساحة. ففي الداخل الأميركي يتعين توفير كل السبل للعاملين في الأمن الداخلي كي يؤدوا مهامهم بنجاح، وإحدى هذه السبل الحيوية الضرورية تتمثل في ذلك القانون الذي يسمح للأجهزة الفيدرالية المعنية بتبادل المعلومات على نحو أفضل، وبتعقب الإرهابيين وتعطيل خلاياهم والاستيلاء على مواردهم. ولما كان المقرر أن ينتهي العمل بالبنود الرئيسية لهذا القانون في السنة القادمة فقد طالب أعضاء الكونجرس بتجديد مدة العمل به.
أما خارج الساحة الأميركية فثمة مواجهة ضارية بعدها الأول عسكري والثاني سياسي-إعلامي. في البعد العسكري أوضح بوش أنه يعرف أن بعض الناس يتساءل عما إذا كانت أميركا فعلاً في حالة حرب. وعلق بقوله إن