يمثل المشهد السياسي الإيراني بتعقيداته سجادة تبريزية مليئة بالتفاصيل، فالمسرح السياسي للجمهورية لا يتحمل تبسيط البعض بأنه صراع بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي، والعديد من الشخصيات العامة قد تكون ضمن رؤية التيار المحافظ حول قضايا معينة بينما تتبنى مواقف إصلاحية حول أمور أخرى، فالسياسة الإيرانية تمثل منظومة معقدة ومتشابكة وديناميكية لدولة ومجتمع في فترة تحول وبرغم مرور عقدين ونيف على الثورة.
وتاريخ التجربة الإيرانية مع موضوع المشاركة الشعبية والذي يمر بأزمة تتردد أصداؤها في الصحافة هذه الأيام لابد وأن يعرج على فصلين مهمين ومثيرين للجدل في التاريخ الإيراني الحديث، الأول يتعلق بالثورة الدستورية لعام 1906 والتي تمحورت ضد الامتيازات الأجنبية وبطبيعة الحال ضد الأسرة القاجارية الحاكمة، أما الفصل الآخر المهم لفهم الواقع الإيراني أو على الأقل واقع النخبة فهي تجربة الدكتور محمد مصدق بين 1951 و1953 وتصديه للامتيازات النفطية البريطانية. وكما نعلم جميعاً يعتبر التدخل الأميركي في الانقلاب على مصدق بداية الطلاق بين واشنطن والحركات الوطنية والقومية في الشرق الأوسط، وهو جانب كان قد أكد عليه الباحث ستيفن كنزر في كتابه الصادر مؤخراً المعنون: All The Shah's Men.
وفي هذين الفصلين المهمين كان للمؤسسة الدينية دور مهم في تأجيج الشارع الإيراني وشكلت هذه المؤسسة المتشعبة جزءاً رئيسياً من قيادة ومن تيار متنوع ضم الوطنيين الإيرانيين، كما ضم في أحداث 1951 عناصر اليسار الإيراني، ولعل اعتماد مصدق على دعم آية الله أبوالقاسم الكاشاني وسحب الكاشاني لدعمه لاحقاً ساهم في السقوط الدراماتيكي لحكم الجبهة الوطنية، ويعتبر هذا الفصل مثالاً حياً لدور هذه المؤسسة الرئيسي في التاريخ السياسي الإيراني، بل وفي قراءة العلاقة بين مصدق والكاشاني نقرأ الحساسية الموجودة دائماً وأبداً بين التيار الوطني والديني في إيران وبرغم التقاطعات الكثيرة·
ومن خلال النظام وتعقيداته في الفترة الجمهورية وتوزع وتنوع مواقع القوة يبرز اختبار القوة الأخير بين الرئيس محمد خاتمي ومعارضيه، فالطعن في، وبالتالي، إقصاء ما يقارب نصف المرشحين للانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في الشهر المقبل من قبل مجلس صيانة الدستور يمثل تمادياً في ممارسة ساهمت في تلطيخ سمعة تجربة المشاركة السياسية الإيرانية، والاختبار هذا يأتي ضمن سلسلة من الاختبارات المماثلة والتي خلقت استقطاباً لا شك أنه يؤثر سلباً على قدرة الجمهورية على التصدي للتحديات القادمة وعلى رأسها التطلعات الكبيرة لجيل الشباب لانفتاح أكبر على العالم وللمزيد من الحريات الشخصية والتي زاد من توقعاتها انفتاح توجهات الرئيس خاتمي وتياره، ولا شك أن الرئيس خاتمي، والذي خسر العديد من معاركه السياسية، يدرك تمام الإدراك أن سيطرة المؤسسة الدينية على السلطة السياسية ستتأثر سلباً جراء هذه الخلافات بينها، والشارع الإيراني والذي بدأ يضيق ذرعاً بهذا الشد والجذب يريد المزيد من الانفتاح كما ذكرنا، وعلى المؤسسة الدينية أن تقرأ التاريخ الإيراني بتمعن لتدرك تمام الإدراك أن التقلبات الدراماتيكية جزء أساسي من هذا التاريخ المعقد وأن الانفراد بممارسة السلطة من خلال الطعن في أهلية هذا العدد الضخم من المرشحين ليس من مصلحة إيران وليس من مصلحة المؤسسة الدينية المسيطرة.