الموضوع الأخير في مسألة موقف سيدي الإمام الأكبر من مشروع القانون الفرنسي بمنع السيدات المسلمات من ارتداء زيهن الشرعي في المدارس وغيرها من مؤسسات الدولة، هو ما حدث للسيدة جيهان الحسيني الصحفية بمكتب «الشرق الأوسط» بالقاهرة. وأنا أقول إنه الأخير قاصداً أنه الأخير حتى الآن، لأن أحداً لا يستطيع التنبؤ بما قد يقع غداً. فإن القصة لم تتم ـ بعدُ ـ فصولها!
نشرت «الحياة» اللندنية في 16/1/2004، ثم نشرت «الأسبوع» القاهرية في 19/1/2004 تفاصيل اللقاء الذي جرى بين السيدة جيهان الحسيني وفضيلة سيدي الإمام الأكبر. ولست معنياً من تفاصيل ما نشر إلا بأن السيدة جيهان الحسيني نقلت قول فضيلة شيخ الأزهر لها:
*«أنت لَسْت محترمة»!. «أنت قليلة الأدب»!. «يلعن أبوك»!. «أبوك رجل غير محترم»!
حسبما نشرته الأسبوع نقلاً عن السيدة/ جيهان الحسيني نفسها.
*وأن فضيلة الإمام الأكبر قال للسيدة/ جيهان الحسيني: «أنت مش متربية وقليلة الأدب»!
* «أنت أبوكي ما ربكيش..يلعن أبوكي»!
حسبما نشرته الحياة نقلاً عن مدير مكتبها في القاهرة الصحفي محمد صلاح.
وقالت جيهان الحسيني في «الأسبوع» إن السيد عمر بسطاويسي رئيس قطاع مكتب شيخ الأزهر كان شاهداً على الواقعة كلها!!
وقد كتبتُ من قبل عن مواقف الصحافة من شيخ الأزهر، ولم أصدِّق كثيراً مما نسبته إليه، لما أعرفه عنه، ويعرفه الخاصة أيضاً، من حرصه على المظهر الطيب المتواضع، وإبدائه الأدب الجم لمحدثه مسلماً كان أم غير مسلم، وتعبيره بكلام ودود عن مشاعره حين يكون هذا التعبير مطلوباً أو ملائماً [راجع فصل «صحافة لا تصدق» في كتابي: شخصيات ومواقف عربية ومصرية، دار المعرفة، بيروت 2004].
ولست في حاجة إلى إعادة ما ذكرته هناك عن أصول الخلق الإسلامي، التي سيدي الإمام الأكبر أعرف الناس بها، فإن التكرار لا يحتاج إليه الأذكياء الشطّار، كما كان يقال لنا ونحن صغار.
وليس الاعتداء بالقول على صحفية، أو بالضرب على صحفي ـ كما نشرت الأسبوع في عدد سابق ـ أمراً مثيراً للغضب أو باعثاً على العجب بسبب صفة المعتدى عليه؛ لكنه أمر يثير العجب ويبعث على الغضب عندما يصدر عمَّن هو في العلم، والمكانة الوظيفية أو الاجتماعية دون سيدي الإمام الأكبر بألف درجة. فكيف إذا صدر منه شخصياً؟! وكيف يسوغ تصديق صدوره عنه؟!
وليست لي خبرة بإجراءات الأمن في مكتب فضيلة سيدي الإمام الأكبر فأنا لم أدخل المشيخة منذ وَلِيَها سيدي، ولا أظنني سأدخلها وهو فيها؛ ولكنني سألت نفسي ـ جاداً غير مازح وشاكاً غير متيقن ـ هل كان الشخص الذي جالسَتْهُ السيدة جيهان الحسيني هو نفسه فضيلة سيدي الإمام الأكبر الذي وصفت آنفاً ما يظهر به على الناس وفي وسائل الإعلام من شمائل وصفات؟!
فهل يجوز أن يكون سيدي فضيلة الإمام الأكبر ـ لكثرة ضيوفه العرب والأجانب ومنهم ملوك ووزراء وما بينهما من ذوي الجاه ـ قد أناب من يقابل في مكان ما من المشيخة الصحفيين المتواضعين الطيبين، أمثال جيهان الحسيني، ويتحدث باسم فضيلته معهم؟
وهل يجوز أن يكون هذا (المُنَابَ) قد فقد أعصابه وخرج عن طوره وتجاوز حَّده عندما سألته الصحفية، التي لا سند لها إلا مهنتها، سؤالاً لم يعجبه، فنطق بالكلمات والعبارات التي لم يَنْفِ شيخ الأزهر ولا مكتبه حتى الآن أنها وجهت للصحفية؟!
وهل يعقل أن يكون الشيخ البسطاويسي حاضراً هذه المقابلة مع ذاك الشخص الذي تقمص شخصية سيدي الإمام الأكبر، إذْ أنابه للرد على أسئلة الصحفيين، من باب إقناع هؤلاء بأنهم فعلاً في حضرة الإمام الأكبر؟!
إن المصريين يقولون في أمثالهم الجارية على الألسنة «يَخْلُقُ من الشَّبَه أربعين» (والعامة ينطقون يخلق بكسر الياء وفتح اللام). فهل ثمة شبيه ـ أو شبهاء ـ مناظرين في الخِلْقَةِ لفضيلة سيدي الإمام الأكبر وإن كانوا، أو بعضهم على الأقل، مفارقاً له في الخُلُق والسجايا، حتَّى إنه يُلَبَّس على من يلقاهم، أو يلقى أحدهم، حاله فلا يتأكد أهُوَ هُوَ فضيلة سيدي نفسه أم شبيه به يؤدي، بدلاً منه، بعض الأعمال التي ينوء بها كاهله أو يضيق عنها وقته؟!
طافت كل هذه الأسئلة بي، وتركتني حائراً غير مطمئن وشاكاً غير متيقن مما إذا كانت السيدة جيهان الحسيني قد قابلت فضيلة سيدي الإمام الأكبر أم قابلت شبيهاً له أو منتحلاً شخصيته، وهو الذي ارتكب في حقها جرائم السب التي نقلتُ في صدر هذا المقال عنها، وعن صحيفة الحياة، الألفاظ التي تضمنتها.
ورأيت من واجبي نحو سيدي شيخ الأزهر ـ وأنا له دائماً ناصح مشفق ـ أن أبادر فأضع هذه الأسئلة كلها أمامه، وأن أرجوه أن يعزل هذا الذي قال للصحفية جيهان الحسيني ما قال، من مهمة تمثيله ومن اختصاص النيابة عنه، فإن من يفعل ذلك لا يستحق شرف تمثيل فضيلة سيدي الإمام الأكبر ولا شرف التحدث باسمه.
ومما يرفع الحرج كله عن فضيلة سيدي الإمام الأكبر أن يعلن ما سوف يتخذه من إجراءات في شأن ذلك الشخص على الكافة، وأن يتبرأ من صنيع السوء الذي صدر عنه، فسيدي ـ إن صح ظني ـ لم يق