أحد الاختبارات التي يمكن أن تواجه الإصلاح في السعودية حصل الأسبوع الماضي. بدأت القصة مع بداية منتدى جدة الاقتصادي الذي افتتح أعماله يوم السبت. وقد تميز منتدى هذا العام عن غيره بمشاركة نسائية سعودية فاعلة. بل إن طريقة المشاركة كانت لافتة. المتعارف عليه أن تتم مشاركات النساء في المؤتمرات أو اللقاءات العامة من خلال الدائرة التلفزيونية المغلقة. لكن منتدى جدة فتح المجال أمام مشاركة نسائية عادية بالتساوي مع الرجال. الأكثر من ذلك أن الحرية تركت للنساء بلبس الحجاب من عدمه. ليس واضحا تماما, لكن يبدو أن المنتدى, وهذا العام تحديدا, تعامل مع موضوع الحجاب على أنه مسألة شخصية تخص المرأة دون سواها, وهو في واقع الأمر كذلك. والمعلومات المتداولة هنا تقول إنه عندما تلقت سيدة الأعمال السعودية, لبنى العليان, وهي أبرز من شارك من السعوديات في المنتدى, دعوة للمشاركة بإلقاء كلمة قالت إن كانت مشاركتها ستكون عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة فإنها تعتذر عن المشاركة. فجاءتها الإجابة بأن مشاركتها ستكون مباشرة, ومن على المنصة ذاتها المتوفرة لجميع المشاركين. وانطلاقا من ذلك لم تتم مشاركة المرأة أو حضورها لفعاليات المنتدى ضمن الأطر التقليدية المعتادة, بل تم ذلك في إطار عادي اختلط فيه النساء مع الرجال, سعوديين وغير سعوديين.
وكان من الطبيعي في مثل هذه الحالة أن تحدث لقاءات وأحاديث عفوية. وكان من الطبيعي كذلك أن ما حدث كان لافتا بالنسبة للصحفيين السعوديين خاصة. ومن هنا تحولت صور مشاركات السعوديات إلى مادة إعلامية تقتضي التنويه. لكن صحيفة عكاظ انفردت بأن نشرت على صدر صفحتها الأولى صورة كبيرة لسيدات سعوديات أثناء لقاء ضمهن في إحدى ردهات المنتدى مع سيدة الأردن الأولى, الملكة رانيا. وكان لافتا أن السيدات السعوديات, وعلى عكس الملكة, كن في الصورة من دون حجاب. من الواضح طبعا أن هذه الصورة, مع غيرها من الصور والتقارير التي تناولت بشكل خاص مشاركة المرأة السعودية في منتدى جدة أثارت حفيظة البعض, واستنكاره لما حدث هذا العام.
أبرز من أعلن استنكاره كان مفتي السعودية, الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ. قال الشيخ في بيانه الذي أعلن الأربعاء الماضي, "... وقد تابعنا في الأيام الماضية ما جرى في منتدى جدة الإقتصادي من أمور توجب علينا الإنكار والبيان, وتوجب على الناس السمع والطاعة لشرع الله والخضوع له. ومما تابعناه في هذا المنتدى اختلاط الرجال بالنساء, وخروجهن غير ملتزمات بالحجاب الشرعي الذي أمرهن به الله, وهذا محرم بالإجماع, مع ما نشرته الصحف من صور على هذه الحالة السيئة المخالفة للشريعة. وما نشر في بعض الصحف من أن هذه بداية لتحرير المرأة السعودية وكأنها كانت مقيدة بالشرع, ولا حول ولا قوة إلا بالله". كان رد فعل الشيخ طبيعيا, ومتوقعا. فهذا ما يمليه عليه عمله, والتزامه الديني والأخلاقي, وذلك ضمن إطار مرئياته وقناعاته المستقرة. لكن الطريقة التي تعاملت بها الصحف السعودية مع بيان الشيخ تفتح المجال أمام أكثر من سؤال. فصحيفة الوطن مثلا, وهي محسوبة على التيار الإصلاحي, أخذت عناوين من بيان الشيخ ووضعتها على صدر صفحتها الأولى. هل حصل هذا تنفيذا لتعليمات رسمية؟ أم محاولة لإبراز بيان مثير بحكم الإطار والظروف الذي صدر فيه؟ من جانبها تعاملت جريدة الرياض, أكثر الصحف تعبيرا عن الخط الرسمي, مع البيان بأن دفنته في الصفحات الداخلية. تعامل الصحف الأخرى لم يخرج عن إطار هذا الاختلاف. الأمر الذي يفرض التساؤل عن إن كان هذا الاختلاف في التعامل بين صحف ملتزمة بمراعاة الخط الرسمي يترك الباب مفتوحا أمام إمكانية أن الموقف الرسمي من المسألة المطروحة ليس واحدا.
والطريف أن رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية, عبدالرحمن الجريسي, حمل في أعقاب بيان المفتي على ما أسماه بـ" المخالفات التي ارتكبت في منتدى جدة الإقتصادي" مضيفا أن " الأكبر والأدهى هو مشاركة المرأة بهذا الأسلوب". لكن إذا كانت غرفة جدة التجارية هي المنظمة للمنتدى, فهل يعفي هذا مجلس الغرف التجارية في هذه الحالة؟ ولماذا جاء التنصل بعد صدور بيان المفتي, وبعد عودة رئيس مجلس الغرف إلى الرياض؟ ما حصل في المنتدى, وما أصبح محل استنكار وتنصل من البعض, كان جزءا من البرنامج والمخطط الذي وضع للمنتدى قبل افتتاحه بوقت ليس قصير. وبالتالي لابد أنه كان معروفا للجميع أنه سيحصل قبل يوم الافتتاح.
السؤال الذي لا يقل أهمية هو: ما الذي حدا بالقائمين على المنتدى بالتخلي عن كل القيود المتعارف عليها فيما يتعلق بمشاركة المرأة في مؤتمر عام ودولي بحجم منتدى جدة؟ ما يستدعي السؤال, أولا أن المنظمين للمنتدى كانوا يعرفون أن حجم المنتدى كفيل بتحويل كل ما يقال أو يحدث فيه إلى مادة إخبارية متداولة داخل وخارج المملكة. ثانيا أن المتعارف عليه ( ليس بالضرورة نظاما ملزما ) في السعودية أن مشاركة المرأة في أي مؤتمر عام مثل هذا تتم بشكل منعزل عن الرجال, ومن خلال الدائرة التلفزيوني