إذا شئنا أن نتبع استراتيجية مفيدة لإعادة بناء العلاقات الدولية للعرب أو للمسلمين قد يكفي أن نجتهد في ترجمة جملة من ثلاث كلمات وهي " دعوا العالم يحبنا" الى ممارسات محددة.
هذه الجملة مفيدة بالذات للعرب في أميركا الشمالية وأوروبا وبلاد الهجرة الحديثة عموما. وهي الآن أكثر أهمية للمسلمين بصفتهم هذه, لأن الإسلام يتعرض لتشويه واسع النطاق يجعله قريبا من معنى التوحش والهمجية الحضارية والثقافية بل والأخلاقية أيضا. وقد صارت هذه هي المشكلة الأكبر والتي قد تدعونا لمناقشة كل التفاصيل الأخرى بما في ذلك تفاصيل الحق والمسؤولية المدنية والدينية من منظور العلاقة الكلية بالمجتمعات الجديدة في أوروبا وأميركا وأستراليا وغيرها.
وقد يدهش البعض من تلك اللغة العاطفية فيثور نيابة عن ميكيافيللى والواقعيين ويسأل مستنكرا ماذا جاء بالحب والكراهية الى ميدان السياسة والى مستوى العلاقات الدولية تحديدا. فوفقا للواقعيين لا علاقة للسياسة سوى بالمصالح؟.
وقلنا من قبل إن هذا لم يكن صحيحا في التاريخ وليس صحيحا في الحاضر والمستقبل. ذلك أن السياسة عند ميكيافيللى والواقعيين عبارة عن رجل (أمير) يلعب شطرنج ضد كل الآخرين بما فيها مجتمعه. أما السياسة الجديدة فهي تجر الى تفاعلات يومية ملايين الناس. وصارت السياسة أمرا يمارسه الانسان العادي. بل هي كانت كذلك معظم الوقت. ولهذا نجد في لبها كثير من الأشياء الإنسانية وفيها معان خالدة تنطبق على الأفراد والجماعات الصغيرة والكيانات الكبيرة. وبهذا المعنى فالسياسة فيها حب ونفور. فالقربى أو الشعور بالانتساب أمر مستقل ومختلف عن المصالح وهي تصنع المصالح. وعندما أسأل من أنا؟ سوف أرد بطائفة من المعايير التي تجعلني منتسبا الى كيانات كثيرة وهذا الانتساب ليس ناتجا عن مصالح بل إنه هو الذي ينشأ أفق المصلحة المشتركة.
وعندما نقول لأبنائنا على المستوى الفردي دع الناس تحبكم وتقدركم فنحن ندعوهم لصوغ شخصياتهم على نحو يجعلها جديرة من حيث المبدأ بالحب والتقدير لدى الذات قبل الآخرين. ويعنى ذلك أن نوجههم لدفع تطورهم الشخصي انطلاقا من قيم تصنع أفضل انطباع لدى الآخرين. ولا اختلاف هنا بين المستوى الفردي والقومي أو الجماعي. فالخصال التي يحبها الناس في الأشخاص هي ذاتها التي يحبونها في الجماعات.
الاختلاف الحقيقي هو في صعوبة الدعوة لصوغ الشخصية الجماعية على النحو الذي ننشده. فالكيانات الكبيرة أكثر تعقيدا وصياغة الشخصية القومية ليست مسألة تربية ثقافية بسيطة بل هي تتعلق ببناء هياكل ومؤسسات المجتمع وأوضاعه وعلاقاته المادية ايضا.
فما أجمل أن يكون الشخص عادلا. والأجمل والأصعب أن يكون المجتمع عادلا. ولكن المجتمع العادل ليس هو ذلك الذي يحتفل بـ - أو يقدر- قيمة العدل فقط بل هو الذي يجعل العدل أساس الملك كما تقول وترنو ثقافتنا الاسلامية وقبل الاسلامية منذ فجر التاريخ. ويعني ذلك أن نصوغ مؤسساتنا لإنتاج قيمة العدل.
استراتيجيات الشعوب: وتبدو تلك الفكرة أكثر وضوحا بالنسبة للعرب والمسلمين الأميركيين والأوروبيين. ذلك أن معرفة المجتمعات بالإسلام أو بالعرب قد تبدأ من احتكاكها في المجالين العام والخاص مع الجاليات العربية والمسلمة القريبة منها. وهذا يدعونا الى التفكير في الاستراتيجيات المقارنة لتأسيس الحضور العام للعرب والمسلمين بالمقارنة بالفئات والجاليات الأخرى.
وعلى سبيل المثال فإن الآسيويين في أوروبا وأميركا يحظون باحترام هائل وإن لم يكن بالضرورة حبا فياضا أو عاطفة مؤكدة من جانب المجتمع الأصلي. فالأميركيون من أصول صينية ويابانية وكورية ومن جنوب شرق آسيا عموما يتسمون بالانضباط ولا يكادون يشاركون في الجرائم الشائعة والصغيرة وخاصة السرقة والاعتداء البدني ولديهم احترام مرتفع للثقافة المدنية واحترام لاداء الواجب. وقد انتهجوا استراتيجية مزدوجة للصعود في المجتمع الأميركي عموما تقوم على التوسع في الأعمال التجارية الصغيرة من ناحية والتعليم التقني من ناحية أخرى. ونلاحظ أن الهنود الأميركيين أقاموا استراتيجيتهم في هذه المناطق على الامتياز في مجال العلوم البحتة والتكنولوجيات المتقدمة وضمن لهم ذلك أيضا مكانة معقولة في قمة المجتمع الأكاديمي والعلمي, وإن كان ضعف قيم الثقافة والواجب لديهم يقلل من تقديرهم. وبالمقارنة بكل هؤلاء حققت الجالية اليهودية أفضل وأعلى النجاحات لأنها إضافة الى التركيز على مجال الأعمال والمهن الحرة توسعت بقوة في مجال صناعة الرأي العام بما في ذلك الأكاديميات والصحافة والفنون والآداب وخاصة السينما إضافة إلى تجذير حضورها في التربة الاجتماعية من أسفل عبر العمل الاجتماعي غير الحكومي. أما أقل الجاليات إنجازا فهم الأفارقة. ولا يختلف عنهم في الدرجة سوى اللاتينيين فهم لم يتبنوا إستراتيجية الامتياز في أي من قطاعات العلوم أو الأعمال وإنما صرفوا همهم الى مجال السياسة فتصوروا أن السياسة ستأتي لهم بالمساواة. وبينما استوعبت قطاعات الرياضة وبعض الفنون العناصر ال