الكون كائن يسخط ويغمره السرور والبهجة ويغشاه الحزن والأسى، والحقب السابقة تشهد والأزمنة السالفة تتكلم والعهود المنصرمة تبث الحقيقة، حقيقة عاد وثمود وفرعون وهامان وجنودهما وقوم لوط. وموضوعنا هو العقوبات الجماعية لأنها أنكى وأخطر وأشد، وهو نتيجة لغضب الكون وسخطه بسبب سخط الله -تعالى- على عباده، لأنهم خالفوا منهجه فظلموا وتجبروا وعتوا في الأرض كِبرا جهلاً مغترين بأسباب الدنيا المهينة الضعيفة التي مكنهم الله منها ليعمروا الأرض لا ليدمروها.
والكون يشهد أسوأ الحقب على الاطلاق من سفك للدماء بغير وجه حق وهدم للبيوت حتى الأشجار والزروع. لابد إذا للكون أن يسخط ناهيك عن الأحياء وراء القضبان يتنسمون عبير الموت وشذاه خير لهم من حياة الذل والهوان. وأما عن المساجين في هواء الكون الرحب فحدث ولا حرج، فكلمة من حرٌ لا تروق لظالم أو مستبد كفيلة بأن تفعل به الأفاعيل من قتل أو تشريد أو حبس. قيّدت الحريات وحبست الكلمات ودفنت الحقائق، وبالجملة انقلبت الموازين وتغيرت المعايير التي آن لها أن تعود لنصابها قبل مزيد من الكوارث التي تتلاحق وتتابع فما إن تخمد جذوة كارثة حتى تشتعل أخرى، فمن حرائق كاليفورنيا ثم فيضانات سيول ثم صقيع بأميركا إلى زلازل بإيران وغيرها ثم الايدز الذي ما زال يلوح بالتهديد والوعيد ثم سارس بالصين وغيرها ثم انفلونزا الطيور... ولا توقف بعد لهذا الزحف من السخط الكوني، إلا أن يعود الإنسان إلى رشده ويثوب إلى صوابه، فيحل العدل محل الظلم، والعمار مكان الدمار، وهذا لن يتسنى للإنسان إلا بعد أن يتخلى عن أحقاده وأطماعه.
سليمان العايدي - أبوظبي