أوضح الرئيس بوش في خطاب "حالة الاتحاد" أنه يعتبر التطورات المدهشة في العلاقات مع ليبيا كثمرة لاستراتيجيته المتبعة في الحرب على الإرهاب. ويعني هذا أن قرار العقيد معمّر القذافي التخلي عن أسلحة التدمير الشامل كان إلى حد كبير نتيجة للإطاحة بصدّام حسين التي تجعل الحرب في العراق مبرّرة وتفسح المجال لاحتمال حدوث تقدم مشابه في التعامل مع الدول الأخرى التي تدعم الإرهابيين وتسعى إلى الحصول على أسلحة التدمير الشامل وتعامل شعوبها بطرق وحشية.
لكن الرئيس بو" يسيء، عندما يربط الحرب في العراق بالتحولات في السلوك الليبي، تأويل الدرس الذي تقدمه الحالة الليبية. وسيؤدي هذا التشوش إلى تقويض فرص نجاحنا في إرغام بلدان مثل إيران وسوريا على اتباع خطى ليبيا.
ومن المعلوم أن التقدم الحديث في العلاقات مع ليبيا له جذور لا ترتبط بعشية الحرب العراقية بل تمتد إلى السنة الأولى من عمر إدارة الرئيس بوش. وفي الواقع أنني أرى، توخياً للإنصاف والعدل، وجوب الاعتراف بشيء من الفضل إلى إدارة كلينتون الثانية. فعندما شعر الليبيون بالتعب من العقوبات الاقتصادية، قرّروا في أواخر التسعينيات السعي إلى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، لا بل عقدوا مناقشات ومحادثات سرّية مع مسؤولين في إدارة كلينتون بغرض نقل تلك الرسالة. وأوضح البيت الأبيض آنذاك أن من غير الممكن القيام بأية حركة في اتجاه تحسن العلاقات مع ليبيا إلاّ عندما تلبي ليبيا مقتضيات المسؤوليات المترتبة عليها والناشئة من عملية تفجير الطائرة التابعة لشركة بان-أم الأميركية فزوق بلدة لوكربي الاسكوتلاندية في عام 1988.
وقد أدت المناقشات السرية، إلى جانب دور الوساطة الذي لعبه السفير السعودي إلى واشنطن الأمير بندر بن سلطان، إلى تحقيق اختراق تجلى بقيام ليبيا بتسليم ضابطي الاستخبارات الليبية المتورطين في حادثة لوكربي إلى هولندا للمثول هناك أمام محكمة اسكوتلندية، وبقبول إدارة كلينتون بتعليق العقوبات المفروضة على ليبيا.
بعدئذ، وتحديداً في ربيع عام 2001 حيث كنت عضواً في فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، علمت إدارة بوش بتلك المناقشات وحثت الليبيين على الوفاء ببقية التزاماتهم المتعلقة بحادثة لوكربي. وقدمنا، إلى جانب البريطانيين، وثيقة كتابية إلى الليبيين تشير إلى ما يجب عليهم فعله وقوله لتلبية متطلباتنا المعنية بدفع التعويضات إلى أُسَر ضحايا حادثة لوكربي، وبوجوب قبولهم المسؤولية عن ممارسات ضباط الاستخبارات الليبية المتورطين في القضية.
وقد أوضحنا على الطاولة أيضاً ما سيحصل عليه الليبيون بالمقابل: فإذا حققت ليبيا الشروط التي قدمناها، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا ستفسحان المجال لرفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على ليبيا. وقد أصبحت تلك الوثيقة أساس المفاوضات الثلاثية الرامية إلى حل قضية لوكربي.
وفي مطلع عام 2003، بات واضحاً أن منهجنا يؤتي ثماره. وفي الواقع أن الولايات المتحدة أتاحت رفع العقوبات عن ليبيا في الصيف الماضي بعد أن توصلت ليبيا إلى اتفاق بشأن التعويضات مع أسَر ضحايا حادثة لوكربي، وبعد أن قبلت أيضاً بمسؤوليتها عن ممارسات ضباط الاستخبارات الليبيين.
غير أن المفاوضين الأميركيين أبلغوا الليبيين في هذين العامين أن حل قضية لوكربي من شأنه أن يؤدي إلى ما هو أكثر من رفع العقوبات عن ليبيا. ويعني ذلك أن الخروج من تحت وطأة عقوبات الأمم المتحدة سيقتضي من ليبيا التطرق إلى المخاوف الأخرى، ولا سيّما المتعلقة ببرامج أسلحة التدمير الشامل.
وفي هذا السياق، قام الليبيون بمفاتحة البريطانيين والأميركيين في الصيف الماضي بموضوع مناقشة تفكيك برامج أسلحة التدمير الشامل. ولم تكن حرب العراق، قد بدأت آنذاك، ولم تكن هي القوة الدافعة للتحرك الليبي. بل إن ليبيا كانت مستعدة للتوصل إلى اتفاق، وذلك بسبب وجود التمثيلات الدبلوماسية الأميركية التي تمتعت بالمصداقية، وهو ما أقنع الليبيين بأن التوصل إلى اتفاق له أهمية حرجة وحساسة لتنفيذ أهدافهم المحلية والاستراتيجية. وقد أوضحنا للمسؤولين الليبيين هنا أيضاً ما ستحصل عليه ليبيا بالمقابل: أي أن الأميركيين أشاروا إلى أن تفكيك مشاريع الأسلحة الليبية سيؤدي إلى رفع العقوبات التي فرضناها نحن على ليبيا، ربما في أواخر العام الحالي.
إن الدرس هنا لا يقبل الجدل، فهو يفيد بأن إقناع نظام بالخروج من دائرة النشاط الإرهابي، وبالتخلي عن أسلحة التدمير الشامل، يوجب علينا ألاّ نمارس الضغط فقط بل يوجب أيضاً أن نوضح فوائد التعاون. ومن سوء الحظ أن إدارة بوش رفضت اتباع هذا المنهج مع الأنظمة الأخرى، ومنها النظام السوري والنظام الإيراني على وجه الخصوص. ولن يحرز الرئيس بوش إلاّ تقدماً ضئيلاً في تغيير سلوك هذين النظامين حتى يكون مستعداً لاستخدام الجزر بقدر ما يستخدم العصي.
إن افتقار الرئيس بوش إلى روح المبادرة في هذا الشأن يسبب خيبة الأمل بوجه خاص لأن الإدارة في التداعيات الدبلوماسية لـ11 سبتمبر كانت ل