المستشار الثقافي بسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة - واشنطن
بين الفينة والأخرى، وبشكل نمطي شبه مستمر تندلع في أنحاء متفرقة من الهند أعمال شغب طائفية تودي بحياة العديد من البشر. وآخر أعمال الشغب الطائفي وقعت في ولاية آسام في الشمال الشرقي من شبه القارة الهندية وأودت بحياة 25 شخصاً على الأقل. وانفجرت أعمال الشغب تلك عندما قامت جماعات انفصالية محلية بمهاجمة منازل يقطنها سكان تنحدر أصولهم من ولاية بيهار المجاورة، وقام المهاجمون بسرقة تلك المنازل ثم حرقها. وقد خلفت تلك الأعمال دمار العديد من المنازل والممتلكات الأخرى في أنحاء متفرقة من الولاية.
ويبدو الأمر بأنه عائد إلى تنامي الأصولية القومية التي تعبر عن نفسها في أشكال مختلفة أهمها المظهر الديني لحركات متطرفة ظهرت حديثاً في أوساط جميع الطوائف الهندية من هندوس وسيخ وغيرهما· ورغم أن المظهر يبدو قومياً طائفياً دينياً إلا أن مشاعر الحقد والكراهية المتنامية في أوساط المجتمع الهندي لا ترتبط بالعامل الديني فقط. ففي تقديرنا أن ما يؤجج موجات العنف الطائفي والحقد والكراهية لا علاقة له في الجوهر بالأديان القديمة التي يعتنقها البشر بقدر ما لها من علاقة وطيدة بالحرب الطبقية الحديثة الدائرة في المجتمع. والحقيقة أن معظم العداوات القائمة اليوم في مجتمع الهند تم اختراعها من قبل السياسيين الذين يسعون إلى الاستفادة من الصحوات التي حدثت بالنسبة لبعث الماضي من قبل فئات المجتمع المختلفة وخاصة مع ظهور طبقة اجتماعية وسطى جديدة كان أفرادها يتبعون منذ زمن طويل خارج المسارات الرئيسية للاقتصاد القومي الهندي.
لقد استغل الساسة القوميون المتطرفون الوضع الانشقاقي الجديد للمجتمع لكي يعطوه طابعاً ثيولوجياً حاداً في أوساط ناخبيهم من الهندوس الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تفجر موجات من الشغب والعنف المضاد نتج عنها مقتل آلاف البشر. لذلك فإن التفسير العلمي لظاهرة العنف هذه يتم عن طريق النظر إليها على أنها إعادة تفاوض حول القوة السياسية والاقتصادية والمركز الاجتماعي، أو أنها دلالة على وجود حاجة إلى إعادة التفاوض بين الفئات الاجتماعية المختلفة. ويعزز طرحنا هذا أن الإنسان الهندي يشهد منذ ثمانينيات القرن الماضي حراكاً اجتماعياً ونمواً اقتصادياً غير مسبوق كنتيجة للتنمية الناجحة التي يمر بها المجتمع. فمن الثورة الزراعية الخضراء إلى زيادة عدد الوظائف في القطاع العام والخاص إلى غير ذلك من سياسات التخصيص والتحرير الاقتصادي.
إن الغريب في وضع المجتمع الهندي هو أن الهند أمة ذات تقاليد ديمقراطية قوية، ولديها حماية دستورية لحقوق الفرد في مجتمع جماعي ولكنها مع كل ذلك لا تتمتع بالاستقرار السياسي وهي تصارع لكي تدرك وتفهم تعبيراتها الخاصة لماهية الدولة القومية الحديثة. وفي ظل بيئة سياسية غير مستقرة إلى حد ما فإن من شأن القوى التي تسعى إلى إعادة تفسير المبادئ الدستورية ومعاني المواطنة الهندية أن تنتعش عن طريق التشبث القوي بالنفخ الشديد في مخيلة البشر الدينية التي تذكي نار القومية المتطرفة وتبث فيها نزعة إلى كره الآخرين والرغبة في تصفيتهم ثقافياً وعرقياً.
والمخيف بالنسبة لهذه النزعة هو أن الفئات الاجتماعية الكبرى تعتقد بأن ثقافتها ومعتقداتها الخاصة هي المصدر الصحيح للوحدة في بلد تعيش فيه إثنيات متعددة وثقافات مختلفة وأديان شتى. إن لدى الهند في الوقت الراهن دستورا علمانيا لا يفضل وفقاً للنصوص بين قومية وأخرى أو ديانة وأخرى ولكنه يضمن حقوق الجميع. ولكن الجماعات المتطرفة تسعى إلى استبدال الدستور عن طريق تعريف المواطنة الهندية بأنها قائمة على معتقداتها هي فقط ولا شأن بمعتقدات الآخرين بذلك. بل الأسوأ هو أنهم يعتقدون بأن ثقافتهم هي الثقافة الوحيدة التي تصلح لجميع الهنود. وفي هذا السياق فإن الحركات المتطرفة تستبق الأحداث بتصرفات تهدف من ورائها إلى إحراج الحركات القومية والوطنية الأخرى. فمتطرفو الهندوس مثلاً من شأنهم السعي إلى إحراج ليس المسلمين والسيخ فقط من خلال القيام بأعمال مضادة لهم، بل وإلى إحراج العلمانيين أيضاً من خلال حزب المؤتمر الذي قاد الهند لمدة طويلة قبل أن يصل حزب بهارتيا جناتا إلى السلطة. وفي ظل هكذا إحراج مثير للغضب الشديد والاستثارة، فإن التصرف المتوقع كرد عقلاني تقوم به الحكومة العلمانية هو الدفاع عن الكرامة الوطنية ضد الفئات القومية المثيرة لهذا النوع من النعرات المتطرفة. ولكن يقابل ذلك مشكلة خطيرة أيضاً وهي أن ما تقوم به الحكومة من رد فعل يمكن أن يفسر على أنه تثبيت لهوية إثنية-دينية-قومية معنية على أنها هوية كامل الأمة على حساب الآخرين.