في الآونة الأخيرة تناقلت وسائل الإعلام المختلفة اسم جورج سوروس، المليونير الأميركي اليهودي، مصحوباً بانتقادات قوية من جانب بعض الدوائر الصهيونية. فمن هو سوروس هذا؟ سوروس رجل أعمال أميركي من أصل مجري يهودي، سافر إلى بريطانيا في منتصف الأربعينات حيث تخرج في جامعة لندن، وتأثر بأفكار كارل بوبر، صاحب فكرة المجتمع المفتوح والذي هاجم الدولة القومية بشراسة. ويعتبر سوروس نفسه من أتباع دوكينز، الفيلسوف الدارويني والاستاذ بجامعة أوكسفورد. وفي أوائل الستينيات بدأ سوروس العمل في فرع المقاصة المتخصص بالمضاربات بين مختلف أسواق البورصة، ويقول إنه اكتشف يومها "أن أموالاً كثيرة يمكن الحصول عليها من نقل أموال بين مختلف أنحاء المعمورة نظراً لاختلاف أسعار صرفها بين نقطة وأخرى".
وفي نهاية السبعينيات كان سوروس قد كون ثروة طائلة جداً، ولكنه لم يصبح مشهوراً إلا عام 1992 حين راهن على تراجع الجنيه الإسترليني، فاقترض مبلغاً كبيراً منه لأجل قصير وحوله إلى ماركات ألمانية، وتحقق ما راهن عليه وخرج الجنيه الإسترليني من نظام النقد المالي الأوروبي وفقد ما يزيد على 12% من قيمته. وكان الفرق ربحاً صافياً لسوروس يعادل المليار دولار. وتبلغ ثروة سوروس حوالي 7 بلايين دولار ويأتي في المرتبة الثامنة والعشرين بين الأكثر ثراء في الولايات المتحدة.
وأثناء الأزمة المالية التي اجتاحت جنوب شرق آسيا عام 1997، ألقى رئيس الوزراء الماليزي محاضر محمد باللوم على المضاربين الأجانب الذين يتلاعبون بالأسواق المالية وخاصة سوروس، باعتباره ممولاً يهودياً قاد هذه العملية. غير أن مراجعة تاريخ جورج سوروس تبين لنا أن هذا النموذج التفسيري لا يفيد كثيراً، فقد اعترف هو نفسه، في حديث مع شبكة التليفزيون الاميركية WNET-TV عام 199، أنه تواطأ مع قوات الاحتلال النازي للمجر أثناء الحرب العالمية الثانية، وساعد على نهب ممتلكات اليهود في المجر مقابل سلامته الشخصية، وهو لا ينكر في أحاديثه أنه يبحث عن الربح ومراكمة الثروة.
إن سوروس هو نموذج جيد للرأسمالي المضارب "غير المنتمي" (فالرأسمالي الحق لا ينتمي إلا لرأسماله وما يحققه من أرباح) الذي لا يتوانى عن جمع الربح من المضاربات في الأسواق المالية، أية أسواق، ولا يتورع حتى عن بيع يهود المجر (بني وطنه وعقيدته!) إلى أعدى أعدائهم. وهو جزء من الاقتصاد الفقاعي (بالإنجليزية: bubble economy)، أو الاقتصاد المشتق (بالإنجليزية: derivative economy)، أي اقتصاد المضاربات الذي لا علاقة له بالعملية الإنتاجية نفسها، ولا يكن احتراماً كبيراً للإنتاج الصناعي أو الدولة القومية. وما يفسر سلوك سوروس ليس "يهوديته" وإنما انتماؤه لهذا النوع من الاقتصاد. ومن المعروف أن سوروس لا يتبرع بالكثير للمؤسسات اليهودية أو الصهيونية أو الإسرائيلية، وقد فسر ذلك بأن هناك تبرعات يهودية كثيرة للمؤسسات اليهودية ولذلك فهو يوجه تبرعاته لمؤسسات أخرى غير يهودية.
وقد فجر سوروس مؤخراً قنبلة إعلامية أثناء اجتماع لشبكة المتبرعين اليهود. فحينما سُئل عن "معاداة السامية" (أي معاداة اليهود واليهودية) قال إن سياسات إسرائيل والولايات المتحدة هي التي تسببت في ذلك، وطالب بتغيير النظام السياسي في الولايات المتحدة وأعلن تأييده لاتفاق جنيف، وأعلن عن عزمه تمويل بعض المشاريع في فلسطين (وقد استخدم كلمة "فلسطين" وليس "إسرائيل"!)، بل إنه أشار إلى خطاب محاضر محمد الذي قال فيه إن اليهود يحكمون العالم، واعترف بأن أفعاله هو شخصياً مسؤولة إلى حد ما عن تصاعد معدلات العداء للسامية، وإن كانت مسؤوليته محدودة، فهو لم يعمد إلى ذلك، وإنما كانت نتيجة غير مقصودة لأفعاله.
وقد سارعت المؤسسة الصهيونية باتهام سوروس بأنه يتقبل القوالب الذهنية الاختزالية المعادية للسامية، وأن رؤيته متحيزة وتبسط الأمور وأن تعليقاته "قبيحة تماماً". ثم أضاف المتحدث الصهيوني قائلاً: "إذا كان سوروس يرى أنه ساهم في تصاعد معدلات السامية، فما هو الحل الذي يطرحه، هل يتنازل عن ثروته؟ هل عليه أن يغلق فمه؟". ورغم هذا الهجوم، فقد لزمت المؤسسة الصهيونية الصمت بعد ذلك، لأنها تطمع في تبرعات سوروس.
وقد وصف أحدهم سوروس بأنه تعبير عن ظاهرة معاداة اليهود للسامية Jewish Anti-Semitism وظاهرة كُره اليهودي لنفسه Jewish Self-hate، وهي مصطلحات كانت شائعة من قبل ولكنها توارت ولا تظهر إلا في الحالات الاستثنائية، فهي تُستخدم ضد نعوم تشومسكي وغيره من العلماء اليهود الغربيين الشرفاء الذي يرفضون المشروع الصهيوني. والمصطلحان متداخلان تماماً، فاليهودي الذي يعادي اليهود واليهودية يستخدم الصور الإدراكية النمطية السلبية العنصرية ويطبقها على أعضاء الجماعات اليهودية وعلى نفسه، فيراهم باعتبارهم مرابين وطفيليين غشاشين ومنحلين، يدمرون المجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه بدلاً من الاندماج فيه. واليهودي الذي يكره نفسه، شأنه في هذا شأن الصهاينة وأعداء اليهود، يؤمن بوجود جوهر يهودي ثابت،