آية الله علي السيستاني: يرفض "ولاية الفقيه" ويمارس "فيتو" ضد أميركا


العمر 74 عاماً... محل الإقامة النجف الأشرف... لم يغادر منزله منذ أن حاول صدام حسين اغتياله قبل عشر سنوات... لا يدلي بأحاديث صحفية أو تليفزيونية، إنه المرجع الشيعي آية الله على السيستاني الذي يتبعه خمسة عشر مليون مسلم من شيعة العراق. ولد السيستاني في الرابع من أغسطس عام 1930 للميلاد في مدينة مشهد الإيرانية، ونشأ في أسرة علمية دينية ملتزمة، وفي عام 1949 انتقل إلى الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية، وفي عام 1951 غادر السيستاني قم متوجهاً إلى النجف الأشرف في العراق ليتتلمذ على يد الإمام الحكيم والشيخ حسين الحلي والإمام الخوئي.


 السيستاني لم يعد حديث العراقيين فحسب، بل أصبح مصدر إزعاج للولايات المتحدة، فهو يقف الآن حجر عثرة أمام إدارة بوش التي تحاول التخلص من ورطتها في العراق بما يمكن تسميته بـ "ديمقراطية مفبركة". فالرجل يطالب بإجراء انتخابات مباشرة يشارك فيها جميع العراقيين كوسيلة وحيدة لاختيار لجنة صياغة الدستور وأعضاء البرلمان العراقي ومن ثم الحكومة العراقية المؤقتة وهو ما قد يربك، أو بالأحرى، يعطل تنفيذ الأجندة السياسية التي تنوي إدارة الرئيس بوش تنفيذها داخل العراق، وهي أجندة تهدف بالأساس إلى توظيف مايمكن وصفه بـ"نجاحات مبكرة" في العراق لخدمة حملة بوش الانتخابية. لكن بدا واضحا أن الأجندة السياسية التي وضعتها واشنطن في العراق لا ترضي طموحات العراقيين التواقين إلى ديمقراطية حقيقية، وليست أفكار وطروحات السيستاني إلا تعبيرا واضحا لآمال هؤلاء.


والسيستاني الذي يحاول، على حد وصف البعض، الظهور وكأنه "أبو الديمقراطية في العراق" طالب في يونيو الماضي بضرورة أن تقوم هيئة عراقية منتخبة بمهمة صياغة الدستور العراقي الجديد معارضاً بذلك المخطط الأميركي المتمثل في تعيين لجنة للقيام بهذه المهمة. كما هدد قبل أيام بإصدار فتوى يدعو من خلالها شيعة العراق بعدم قبول الحكومة الجديدة المزمع تسلمها السلطة الصيف المقبل إذا لم يقبل بول بريمر مطلب السيستاني بإجراء انتخابات عامة في العراق.


وعلى رغم أنه لا يتبنى مفهوم "ولاية الفقيه" التي بمقتضاها أصبح من الممكن لأي رجل دين شيعي بارز تمثيل السلطة القانونية المطلقة وهو ما يشكل الآن أساس النظام السياسي الحالي في إيران. وعلى رغم أن تعاليمه ظلت تعكس ما يسمى بالمدرسة الأكثر اعتدالاً في فقه التشيع الحديث، فإن مواقف السيستاني الأخيرة جعلته يمارس ما يمكن وصفه بـ"الفيتو السياسي" على قرارات الولايات المتحدة المتعلقة بنقل السلطة إلى العراقيين. لكن أفكار السيستاني المعتدلة لم تمنع المحللين من الإفصاح عن هواجسهم تجاه رجل يشبه في نشأته وحياته الزعيم الإيراني آية الله الخميني الذي قاد الثورة الإيرانية عام 1979. فالرجلان ولدا في إيران وكلاهما توجه إلى النجف الأشرف للتبحر في العلوم الدينية على يد مرجعيات شيعية وقضيا سنوات من العزلة قبل أن يظهرا على الساحة كقيادتين دينيتين. لكن السيستاني ينتمي إلى مدرسة فكرية شيعية لا تؤمن بحتمية "ولاية الفقيه" حيث تتلمذ على يد آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي المرجع الشيعي البارز الذي تبنى أفكارا معارضة لنظرية "ولاية الفقيه" تتلخص في أن علماء الشيعة الأكثر تبحراً في علوم الدين ليس لديهم الحق في امتلاك سلطة قانونية مطلقة.


السيستاني المعروف بنبوغه العلمي وتنافسه الشديد، في شبابه، بين أقرانه لا يريد تطبيق نموذج الدولة الدينية في العراق لكنه يطالب الإدارة الأميركية بتطبيق مشروعها الذي وعدت العراقيين بتنفيذه ألا وهو نشر الديمقراطية في بلاد الرافدين. وبعبارة " بريمر أميركي وأنا إيراني فلم لا ندع أهل العراق يقررون شؤون بلادهم" التي جاءت في معرض رده على الطلب الذي تقدم به بول بريمر للقائه، يكون السيستاني قد أزال شكوك البعض بخصوص طموحاته السياسية وأكد على حق العراقيين في اختيار من يحكمهم. ولاشك أن تظاهرات الأيام الأخيرة التي اجتاحت شوارع البصرة ومناطق عدة في العاصمة العراقية بغداد تذكرنا بتظاهرات مؤيدي الخميني في إيران إبان ثمانينيات القرن المنصرم، سيما وأن السيستاني الذي يؤيد المتظاهرون طروحاته الآن إيراني المولد. هذه التظاهرات ستجبر الولايات المتحدة على إعادة النظر في رسم السيناريوهات السياسية للعراق الجديد، وخصوصاً أن نفوذ الشيعة، منذ سقوط صدام حسين، في تنام مطرد ما يخلق هاجساً لدى إدارة بوش يتمثل في ظهور حكومة عراقية يسيطر عليها الشيعة ليصبح العراق نموذجاً مستنسخاً من إيران. غير أن تظاهرات العراق تأتي هذه المرة للمطالبة بتطبيق الديمقراطية بكل ما تحتويه الكلمة من معان، فثمة جدل تدور رحاه الآن بين مجلس الحكم المدعوم أميركياً وآية الله على السيستاني حول الطريقة التي سيتم من خلالها تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة وآليات نقل السلطة إلى العراقي