يمثل كتاب (العلاقات الكويتية-الإيرانية وسبل تطويرها) محاولة مهمة لصياغة رؤية استشرافية لمستقبل العلاقات الشاملة بين دولتين إسلاميتين تجمعهما المصالح المشتركة وأواصر جوار يشده التاريخ ومياه الخليج الدافئة، إذ تقع الكويت على ضفته الغربية من الشمال، وتقع أقاليم من جمهورية إيران الإسلامية على الضفة الأخرى المقابلة·
ويتناول الكتاب في فصله الأول (العلاقات السياسية وأسسها التاريخية) بين الكويت وإيران، باعتبارها علاقات استراتيجية للطرفين، تفرضها الجغرافيا والمصالح في تحقيق استقرار إقليمي دائم لفائدة بلدان المنطقة، كما تقتضيها دواعي العمل معاً من أجل خدمة القضايا الإسلامية، وتنسيق الجهود في حوار الحضارات، وخدمة السلامين الإقليمي والعالمي· ويثمن الكتاب عالياً جهود البلدين في تطوير علاقاتهما الثنائية، قائلاً إن إيران كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالكويت عشية استقلالها عام 1961، ثم اعترفت الكويت مبكراً بالجمهورية الإسلامية وهنأت قيادة الثورة في إيران على انتصارها عام 1979، ثم عادت علاقاتهما إلى التطور مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وتعززت بوصول الرئيس محمد خاتمي إلى سدة الحكم في طهران·
وبرغم التوتر الذ ي مرت به علاقات البلدين بعد قيام الثورة الإسلامية، وبلغ ذروته مع حرب الناقلات أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، والتحول في سياسة بلدان مجلس التعاون تجاه إيران، فإن موقف إيران من الاحتلال العراقي للكويت، مثل نقطة انطلاق مهمة إلى تصحيح العلاقات الثنائية بين طهران والكويت· فقد طالبت إيران بانسحاب عراقي غير مشروط من الكويت، ورفضت أي تعديل على الحدود أو السيادة الكويتية، واستقبلت آلاف الكويتيين أثناء الاحتلال، والتزمت عدم إثارة مشاكل تؤثر على حرب تحرير الكويت، رغم معارضتها الصريحة لوجود قوات أميركية في المنطقة·
بيد أنه لفتح آفاق جديدة للتعاون بين إيران ودول مجلس التعاون، يرى الكتاب (وذلك في إشارة دالة على ما ضي (إيران الثورة)) أنه لا غنى عن التأكيد مجدداً على مبادئ أساسية؛ مثل احترام المعاهدات والاتفاقات المبرمة، والالتزام المتبادل بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتخلي عن سياسة التهديد، والتوقف فوراً عن أي سباق للتسلح، وتهميش دور الخلافات الأيديولوجية، والتركيز على المجالات التي تحقق التفاعل الثقافي والازدهار الاقتصادي والتجاري···
فماذا عليه وضع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الكويت وإيران وكيف يتم تفعيلها؟
يشرح الكتاب مطولاً طبيعة العلاقات التجارية بين الكويت وإيران، كعلاقات تاريخية متميزة، وإن عكرت صوفها أجواء الحرب العراقية-الإيرانية خلال ثمانينيات القرن الماضي، لكنها سرعان ما شهدت انفراجة كبيرة في السنوات اللاحقة وتوجت بتوقيع العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية الهادفة إلى تدعيم حركة التبادل التجاري بين البلدين، فحققت قيمة التجارة البينية بينهما تزايداً كبيراً، وبخاصة قيمة الواردات الإيرانية التي ارتفعت من حوالى 11 مليون دينار كويتي عام 1992 إلى حوالى 35.5 مليون دينار في عام 2000· ويستعرض الكتا ب عدداً من الاتفاقيات التجارية التي وقعها البلدان منذ عام 1968، بهدف تنمية وتفعيل العلاقات التجارية بينهما، فضلاً عن الدور الذي أصبحت تضطلع به المناطق الحرة والترانزيت والمعارض التجارية والتعاون في مجالات الصناعة والنفط والزراعة والمياه··· مما ساهم في تنشيط العلاقات التجارية بين الكويت وإيران·
وفي فصل آخر يتناول الكتاب (آفاق التعاون التعليمي والتربوي) بين دولة الكويت وجمهورية إيران الإسلامية، مبرزاً أهم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في هذا المجال والآلية المعتمدة لتنمية العلاقات العلمية والتربوية وتفعيلها· أما روابط التعاون الثقافي والإعلامي بينهما، والتي تناولها الكتاب في فصله الرابع، فتنطلق من الدور التاريخي للشعبين، الكويتي والإيراني، في خدمة الثقافة الإسلامية، حيث يتضح مدى الحاجة في الوقت الحالي إلى تدعيم العلاقات الثقافية كمقدمة لعلاقات سياسية واقتصادية أكثر شمولاً وعمقاً بين البلدين· ويدلل الكتاب على عراقة الروابط الثقافية الحديثة بين الكويت وإيران، بالعودة إلى بروتوكول التعاون الثقافي الموقع بينهما في عام 1965، لتوفير التسهيلات اللازمة لتبادل البرامج الثقافية في مجالات الإذاعة والتلفزيون والسينما والفنون، وقد أعقبته عدة اتفاقيات في مجال الثقافة والإعلام، كما سجلت حركة التبادل الثقافي نمواً مطرداً بين الدولتين·
ويعرض الكتاب في فصله الخامس، نتائج وجهود (التنسيق والتعاون في المجال الأمني) بين دولة الكويت والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث شهدت السنوات الاثنتا عشرة الأخيرة ارتفاعاً لوتيرة الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في كلا البلدين، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الأمنية، أهمها (مذكرة التفاهم حول القضايا الأمنية المشتركة) الموقعة في طهران في يونيو 1998، وهي مذكرة معنية بإيجاد الوسائل والأساليب اللازمة للحد من