الكتاب الذي نتناوله بالعرض في هذه المساحة عنوانه: "الحمقى العالقون في الفخ: ثلاثون عاما من السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية" ومؤلفه هو" شلومو جازيت" منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة خلال الفترة 1967- 1974، ومدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية خلال الفترة 1974- 1979، والكاتب السياسي الذي قام بتأليف عدة كتب حول الصراع العربي الإسرائيلي أبرزها: " التوازن العسكري في الشرق الأوسط 1992- 93"، " سياسة العصا والجزرة في الأراضي التي تديرها إسرائيل 1967-68 "، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين". المقصود بالحمقى في هذا العنوان– من وجهة نظر الكاتب- هم الإسرائيليون الذين أوقعوا أنفسهم في مأزق عسير يبدون حتى الآن غير قادرين على الخروج منه. وفي هذا الكتاب يقوم المؤلف بمراجعة شاملة، وبإلقاء نظرة متفحصة على السياسات التي اتبعتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ وقوعها تحت الاحتلال في حرب يونيو/ حزيران 1967، وحتى وقوع الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987. وقد استفاد المؤلف إلى حد كبير من المعلومات والوثائق التي أتيحت له حيازتها والإطلاع عليها بحكم وظيفته كمنسق عام في الأراضي المحتلة، أو كرئيس لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والتي أتاحت له فرصة المعرفة الكاملة بما يحدث على أرض الواقع. وهو يقول إن سبب قيامه بهذه المراجعة يرجع لأنه رأى أنه يتوجب عليه كمسؤول إسرائيلي سابق، أن يقوم بمحاولة من جانبه لاستشراف المستقبل، وتحليل الآثار الممكنة لهذه السياسات على مسار العملية السلمية المتعثرة بين الشعبين. والمؤلف يغطي في كتابه "خلفية " تلك السياسات، وأسبابها، والكيفية التي تمت بها صياغتها، والأهداف والمقاصد التي رمت إليها. وهو يقوم في سياق ذلك باستقصاء الدور الذي لعبه من قاموا بتشكيل وصياغة تلك السياسة، والوسائل العملية التي اقترحوها لوضعها موضع التطبيق، إما من قبل قوات جيش الدفاع أو من الحكومة الإسرائيلية ذاتها. وفيما يتعلق بهذه النقطة يقدم لنا المؤلف، رواية تتسم بالوضوح التام للسياسات التي اتبعها الزعماء الإسرائيليون في الأراضي المحتلة بدءا من " وزير الدفاع "موشي ديان" -عقب انتهاء حرب الأيام الستة - وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى. وإلى ذلك يقدم لنا خلفية تاريخية يتتبع من خلالها المراحل الرئيسية للصراع بدءا من السنوات الأولى من القرن العشرين، ومرورا بالصراعات الدامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، والحرب التي خاضتها الجيوش العربية ضد إسرائيل وانتهت بقيام الدولة عام 1948، ثم المعارك المتقطعة ضد الفدائيين الفلسطينيين، ثم حرب عام 1956، وبعدها حرب 67، التي انتهت باحتلال إسرائيل لأجزاء من ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والأردن، وما تبعها من حكم مدني إسرائيلي في الضفة والقطاع، وانتهاء باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 التي مثلت شكلا جديدا من أشكال الصراع الدامي المحتدم بين العرب واليهود منذ عقود طويلة.
بعد هذه الخلفية التاريخية الشاملة التي تساهم في إعطاء القارئ فكرة وافية على خلفيات هذا الصراع، يقوم المؤلف بتقديم إطار عريض يدرج تحته المسائل الخمس الرئيسية التي تشكل جوهر هذا الصراع وهي: الخطط والمقترحات الإسرائيلية بصدد التوصل إلى تسوية سلمية دائمة للصراع بين دولة إسرائيل وجيرانها من العرب. الجوانب المختلفة للسياسة الدفاعية التي تنتهجها الدولة اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتداعيات السياسية المترتبة على قيام سلطة الاحتلال الإسرائيلي بإدارة الانتخابات البلدية الفلسطينية في الضفة الغربية. والمحاولات المختلفة لصياغة سياسة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة سواء في أثناء حكم حزب العمل الإسرائيلي، أو عندما تولى حزب الليكود المتطرف زمام الأمور خلفا له.. الدروس التي يمكن لإسرائيل استخلاصها من الانتفاضة، التي كانت بمثابة رد فعل سياسي وعاطفي عنيف من جانب الفلسطينيين تجاه احتلال أراضيهم وانسداد آفاق التسوية أمامهم، مما أسفر عن خسائر فادحة في الأرواح من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفي نهاية كتابه يصل المؤلف إلى خلاصة منطقية يقول إنها تمثل قناعته الذاتية وهي أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة خطأ كبير، وإن إسرائيل إذا لم تعمل في أقرب وقت ممكن على الخروج من هذا المأزق الذي تواجهه، وتقوم بإنهاء هذا الاحتلال الذي يمثل عقبة في سبيل تحقيق تسوية سلمية للصراع في أقرب وقت ممكن، وتفكيك معظم المستوطنات التي أقامتها في أراضي الضفة وغزة، والعمل على تنفيذ الاتفاقيات التي توصلت إليها مع الجانب الفلسطيني، فإنها ستتعرض لعواقب وخيمة قد تعرض وجودها وبقاءها في حد ذاته لخطر داهم.
ما يمكن لنا قوله في نهاية هذا العرض إن المؤلف يقدم رؤية متوازنة لحد كبير لواقع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتداعياته، وهي رؤية ناتجة عن الاحتكاك المبا