تقرير منظمة (مراسلون بلا حدود) حول الصحافيين وحرية الصحافة في العالم لا يُبشر بالخير، إذ ازداد عدد القتلى من الصحافيين عام 2003 وتم اعتقال 766 مراسلاً وصحفياً، بينما خضعت 500 من وسائل الإعلام لإجراءات رقابية، وقد وصلت المؤشرات الخاصة بالمساس بحرية التعبير إلى (الخط الأحمر) عام 2003·
ماذا يمكن استنتاجه من هذه الوقائع والمؤشرات؟ وكيف لنا أن ندفع أو نُطالب بالدفاع عن حرية التعبير وما هي أصلاً حرية التعبير؟·
أسئلة تحتاج لإجابات شافية وعلمية، بعيداً عن التشنجات واللعب من تحت الطاولة·
فحرية التعبير التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نجدها (تتقوّلب) حسب توجهات الدول، وحسب رؤية النظام لكيفية استخدام أو تفعيل هذه الحرية، وحسب الطريقة التي تحفظ للنظام استمراريته وقوته، مهما خالفت هذه الحرية (المقولبة) مبادئ الإعلام وحريته الحقيقية·
وحرية التعبير نجدها تتحدد تجاه قضية معينة دون غيرها، أي الحرية الانتقائية والتي تجاهر بحق يُراد به باطل، أو بباطل يُراد به باطل، وهذه الأخرى انتقاص لحرية التعبير·
وحرية التعبير أيضاً تتشكل حول علاقات الدول والمحيط الجغرافي والبُعد التاريخي بين الأنظمة· وهذه هي (الحرية الدبلوماسية) التي لا تمت بصلة الى الحرية الحقيقية·
نحن -في العالم العربي- نعيش مأزق حرية التعبير و(إشكالية الحذر) مما ستأتي به الحرية الحقيقية على الأنظمة والتحولات الاجتماعية التي سوف (تحرّض) هي الحرية على استفحالها· لذلك، لا يوجد اتفاق صحيح واضح حول مفهوم الحرية الحقيقي في العالم العربي، ونعتقد أن ذلك سوف يستمر لفترة ليست بالقصيرة·
أما كيف ندافع عن حرية التعبير، فهو الآخر اشكالية تبدو أصعب من تحديد هوية أو مفهوم المصطلح· إذ كثيراً ما تطال هذه الحرية رموز نظام معين، أو مراكز القوى في النظام، وحرّاس البوابة معنيون ببقاء واستمرارية ذاك النظام، فكيف يمكن لنا (التباهي) بحرية الإعلام في الوقت الذي يتصل حرّاس البوابة برؤساء التحرير ويوجهونهم نحو نشر أو عدم نشر خبر معين حتى ولو كان رياضياً، إذن المناخ الذي يعيشه الإعلام العربي لا يصلح لإستواء حرية التعبير، بل يدفع الى التشكيك والحذر· ولقد توقف كتّاب كثيرون في العالم العربي نتيجة هذا الوضع، وخوفاً من بطش النظام·
إن الدفاع عن حرية التعبير لن يتأتى عبر الخطب الرنانة، وبعض الجواسيس الذين يلاحقون الكلمة، وإن الدفاع عن حرية التعبير لابد وأن يضمنه قانون واضح يقف مع الشعب ضد مصالح المنتفعين من النظام، ويقف مع الكلمة ضد بطش السوط أو الرصاصة، كذلك يتأتى الدفاع عبر الجمعيات المهنية والنقابات التي تدافع عن حرية التعبير، وتوجه الحكومات الى الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون والكتاب والمراسلون ــ دون وجه حق ــ من قبل الوزراء المتنفذين الذين يرفعون سماعة الهاتف ويدمرون منزل صحافي دون وجه حق ودون وعي·
الدفاع عن حرية الكلمة يتولّد من إحساس وطني صادق يتم تدريسه منذ الصف الأول ابتدائي في المدارس، وفي البيوت حتى مجالس الوزراء· لماذا يضع بعض الوزراء إدارات معينة لمتابعة ما يكتب عنهم في الصحف؟ ولماذا يتفنن مدراء العلاقات العامة في الرد ودحض ما يكتب عن الوزارة دونما تحقيق أو تروٍ؟! إنها خدمة يؤدونها الى السيد الوزير على طريقة (انصر اخاك ظالماً أو مظلوماً) ولا ينظرون الى الخراب الذي يوقعونه بحرية الكلمة عندما يقنعون الوزير بثقافة (التبرير) ولو كان مخطئاً·
الدفاع عن حرية التعبير لا يتأتى بالتوقيع على البروتوكولات والمعاهدات، إنه الممارسة اليومية، والتشجيع المستمر على بسط هذه الحرية حتى في الحوار الزوجي داخل الأسرة وأمام الحاكم الغاضب·
إن الصحافيين سواء الذين يسقطون في ساحات الحروب أو الأحداث، أو الذين يتم اعتقالهم بسرية تامة ويحرمون من ممارسة مهنتهم وحياتهم الاعتيادية المشروعة لن يحميهم القانون الدولي، أو مناشدات الجمعيات العالمية المناصرة لحقوق الإنسان، بل إنهم بحاجة إلى حماية محلية تتفق فيها الحكومة مع الشعب على صيانة حرية التعبير ودعمها، فلا انحراف ولا اجتراء على حقوق أحد، كما أن هذه الحرية تفرض حتميات ــ قد لا تسر الحكومات ــ كالمستقبل السياسي لأي اقليم أو توزيع الثروة في الأقاليم الغنية، أو تكافؤ الفرص في المجتمعات القبلية التي تؤثر الأخ على ابن العم، وابن العم على (الغريب) حتى وإن كان (الغريب أكثر تعليماً وكفاءة وحبا لوطنه!)·
حرية التعبير تفرض أن نتقبل نتائجها بصدر رحب، مهما كانت مرّة أو أنها تصل إلى حد تهديد مراكزنا أو أوضاعنا المالية أو الاجتماعية· وهي عقد بين الحاكم والمحكومين، فكم من المصلحين من الكتّاب أبانوا للحكام أخطاء حكوماتهم، وكم من العلماء والحكماء وضعوا الحقائق أمام الحكام، وإن (طارت) رؤوس بعضهم·
العالم العربي بحاجة الى وعي بأهمية حرية التعبير، وعدم استخدام هذه الحرية لتحقير الآخرين وتقزيمهم وعدم استخدامها (لذّر) الرماد في العيون، و(الانتشاء) في المحافل الدولية بأننا مع حرية