قد يكون من المزعج للإنسان أن يتابع العديد من الأحداث في فترة زمنية واحدة, فقد أصبح العالم يعج بالعديد من الأحداث في فترة زمنية قصيرة، بل إن كل دقيقة أصبحت تحمل نبأ جديداً أو خبراً مغايراً لما سمعه من قبل. ولعل الفضل يعود إلى وسائل الإعلام وثورة الاتصالات، إذا أضفنا إلى ذلك عالم الانترنت، وشعور الإنسان إنه قد تحرر وللأبد من الرقابة الإعلامية، ولم يعد هناك مجال لاحتكار الاخبار، سواء كانت أخباراً سياسية، أم علمية أم فنية أم غيرها من الأخبار. هنالك كم هائل من المعلومات تطلع عليها وأنت في أصغر قرية في العالم فكم هو رائع هذا العالم في الألفية الثالثة، ومطلع القرن الجديد, إذ لم يعد للوجود مكان لمقولة إننا نعلم أكثر مما نعرف، فقد أصبحت المعرفة مشاعاً للجميع.
لقد عانت المنطقة من هزات قوية على مدى العقود الستة الماضية. فمنذ منتصف القرن الماضي، وهي تتعرض لتغيرات شديدة، سواء كان ذلك على شكل الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية هنا أو في أماكن أخرى، وكانت تلك الهزات رد فعل لما يجري، إلا في حالات نادرة، واستطاعت أن تخرج من تلك الأزمات الشديدة، اعتماداً على الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود اتفاق بين قوى التغير في المنطقة. وفي احيان أخرى برزت النخبة الفاسدة، والتي لا تؤمن بالتغير في ظل معادلات إصلاح ما هو قائم مع الآخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة.
كانت الظروف تتهيأ لأن تحدث نقلة نوعية تؤدي إلى قيام مؤسسات المجتمع المدني، وترسيخ مفاهيم الدولة الحديثة، بعيداً عما هو سائد. إلا أن التطرف احياناً، وعدم الالمام بالظروف الموضوعية للمنطقة، والظروف الذاتية، (وهي مختلفة من منطقة إلى أخرى) حالت دون ذلك. وأتذكر في هذا المجال كم كان البعض يضحك حتى يقع على قفاه حينما تطرح عليه أهمية الليبرالية وقيام مؤسسات المجتمع المدني ذات الاتجاهات المختلفة، لم يكن الايمان بإصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مقبولاً لدى اغلبية أفراد النخبة في ذلك الوقت، سواء عناصر السلطة أو تلك التي تطلق على نفسها معارضة. كانت القراءة الخاطئة للأوضاع هي السبب الرئيسي لتنامي تيار الإسلام السياسي، والذي كان يشكل المنقذ في مرحلة من المراحل ضد التيارات الأخرى وبخاصة في مرحلة الحرب الباردة.
من الواضح أن الحوار بين القوى الاجتماعية المختلفة في المنطقة لم يكن له وجود، وكأن الشقاق وعدم الالتقاء هو الشيء المشترك. حتى قوى التغيير أو الداعية للتغيير ازداد تعصبها لرأيها، وحاولت نفي الآخر، فما بالك بمن يمتلك السلطة والقوة.
في هذه المرحلة يتساءل البعض ماذا قدم للمنطقة خلال الفترة الماضية؟ ويعتقد اولئك أن الناس ليست لديهم ذاكرة، فكم من المهالك ارتكبها بعض المثقفين في سبيل اثبات رأيهم فقط، وبالتالي محاربة كل من لا يقف معهم، خاصة إذا كانت لديهم سلطة ما، وللحقيقة كانت القلة منهم لا تمارس أسلوباً قمعياً مع الآخر.
في بداية الحرب لاحتلال العراق، وبعدما سقط طاغية بغداد وتأكد أن تلك العصابة التي حكمت بغداد نمر من ورق، وأن ذلك الذي يدّعي محاربة الامبريالية، أدرك أن اللعبة قد انتهت-كما قال الدوري وهو يحمل أوراقه من نيويورك، استجابة لمطالب القوى الوحيدة في العالم- أصبح الجميع يؤمن بأهمية المشاركة والديمقراطية. ألم تكن هذه مطالب شعوبكم وبعض القوى الوطنية التي أرادت أن تعيد صياغة العقد الاجتماعي في ظل متغيرات محلية واقليمية ودولية؟
إن مهمة كل المهتمين بشأن الاصلاح بمفهومه الشامل أن يعملوا على ترسيخ مبدأ المواطنة وليس الاتباع أو الرعايا.
إن ذلك يحتاج إلى وقت يتم من خلاله تفعيل وتحديث وإقامة كل المؤسسات التي لها دور في عملية التنشئة الاجتماعية لخلق وعي جديد وإنسان جديد، يؤمن أن عليه واجبات يؤديها قدر ماله حقوق يطالب بها.
وإن طرح شعار أهمية التوطين لا بد وأن يبدأ بها رافعو شعار التوطين وأن يبتعدوا عن وقف التنفيذ. إن على القطاع الخاص دوراً في عملية الإصلاح وأن الخطوة الأولى نحو الإصلاح القضاء على تنامي نسبة العاطلين عن العمل، واتخاذ خطوات عملية لإشراك المرأة في الحياة العامة، وإلا فإن فرض التغير سيأتي من الخارج بما فيه من امتهان للكرامة الوطنية، مما سيزيد من عدد الرافضين للتغيير والاصلاح.