سوف يكون لديهم متهم وهو صدام حسين الذي سيكون لديه الحق في التزام الصمت, ولكن من المؤكد أنه لن يفعل ذلك. سوف تكون لديهم قاعة محكمة وهي قاعة كان صدام يستخدمها في الأصل كمكان لعرض الهدايا التي يحصل عليها من الرؤساء والشخصيات الأجنبية. وسوف يكون لديهم رجال قانون عراقيون، ومعهم مسؤولون أميركيون يتعين عليهم إجراء واحدة من أكثر المحاكمات إثارة في التاريخ المعاصر.
نتمنى لهم جميعا التوفيق لأن محاكمة نظام سابق مهمة عسيرة تتجاوز بكثير مجرد إثبات الإدانة أو البراءة. قد يصر القضاة على محاكمة أفعال صدام, ولكن كل إجراء في قاعة المحكمة سوف يتم وعينه على السياسة العراقية. بالنسبة لصدام، ستكون أمامه فرصة للتحدث أمام العالم بأسره وزيادة مقدار الكراهية لأعدائه الأميركيين. وبالنسبة لإدارة بوش، ستكون هناك فرصة لتغيير الموضوع من أسلحة الدمار الشامل إلى الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان. أما بالنسبة للحكومة العراقية الناشئة، فسوف توفر لها هذه المحكمة الفرصة لإثبات قطيعتها مع الماضي، وإظهار أنها تمثل نظام حكم أكثر ديمقراطية.
لن يكون هناك شيء سهل بصدد هذه المحكمة. حيث سيكون من الصعب العثور على قضاة عراقيين لم يوصموا بالمشاركة في نظام حكم صدام الشمولي. أما رجال النيابة فسيكونون بحاجة لحضور دورات مكثفة لدراسة دقائق قوانين جرائم الحرب، وأساليب التحقيق في مثل هذه الجرائم. وهناك بعد ذلك الإعلان الذي صدر مؤخرا من البنتاجون بشأن اعتبار صدام حسين أسير حرب، الأمر الذي سيستلزم القيام أولا بإثبات اختصاص المحكمة العراقية بمحاكمته، على اعتبار أنه يجب أن يحاكم أمام محكمة تابعة للقوة المحتلة وهي الولايات المتحدة كما تنص على ذلك معاهدة جنيف المتعلقة بأسرى الحرب.
الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أن صدام سوف يحاكم بموجب قانون تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الحكم العراقي، قبل أيام من التاريخ الذي تم فيه سحبه من الحفرة التي كان يختبىء فيها, وهو قانون ينص على إنشاء محكمة عراقية مستقلة لديها صلاحية التحقيق في جرائم القتل الجماعي، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي تم ارتكابها خلال الفترة من 17 يوليو 1968 وحتى الأول من مايو 2003.
تكييف هذه التهم سوف يتم بناء على القانون الدولي العادي، الذي تطبقه المحكمة الجنائية الدولية، على أن يقوم مجلس الحكم العراقي باختيار القضاة ورجال النيابة( يمكن أن يكونوا غير عراقيين)، والاستعانة بخبراء دوليين مختصين في محاكمات جرائم الحرب. وسوف يحصل صدام على كافة الحقوق التي يكفلها له القانون وهي: افتراض البراءة إلى أن تثبت الإدانة، محاكمة علنية، استجواب مزدوج للشهود، حق الاستئناف. ويمكن له أن يدافع عن نفسه، أو أن يقوم بتوكيل محام.
سوف تسعى النيابة لإثبات أن صدام قد قاد طائفة من المسؤولين البيروقراطيين القتلة الذين تحولوا إلى أدوات لتعذيب وقتل مئات الألوف من العراقيين. مع العمل على إيجاد صلة بينه وبين المقابر الجماعية.
من المؤكد أن صدام سيقوم باستغلال الدقائق الأخيرة له على المسرح الدولي من أجل الدفاع عن صفحته السياسية، ومن المؤكد كذلك أن موقفه سيكون هو نفس الموقف المتحدي الذي يقفه الرئيس اليوغسلافي السابق" سلوبودان ميلوسوفيتش" الذي تعتبر الخطب الطنانة التي يلقيها الآن في " لاهاي" ضد الفاشية الكرواتية المزعومة، وضد الأصولية البوسنية الإسلامية، والإمبريالية الأميركية، محاولة لإحراز نقاط لصالحه في صربيا.
أما موقف صدام الأساسي فيسهل تخيله: سوف يقول إن الإيرانيين هم الذين ضربوا الأكراد بالأسلحة الكيماوية عام 1988، وإن القوات الإيرانية استخدمت الأسلحة السامة أيضا، وإن الكويت هي المحافظة رقم 19 في العراق، وإن العقوبات المفروضة ضد العراق مثلت جريمة ضد البشرية، وإن إدارة ريجان قد ساندته طيلة الفترة التي ظلت فيها في الحكم. بالإضافة لذلك سيحاول صدام استجداء مشاعر الحزن واللوعة لدى العراقيين على العسكريين والمدنيين الذين قتلوا في الحربين مع العراق، كما سيحاول استجداء مشاعر شعوب الشرق الأوسط الأوسع الذي تتعمق فيه مشاعر الكراهية ضد أميركا. صحيح أن أيا من تلك الاتهامات لن تساعد صدام من الناحية القانونية ولكن من قال إن الناحية القانونية هي هدفه. إن الطغاة الذين أطيح بهم من عروشهم قادرون أحيانا على أن يمتلكوا قدرا هائلة من الهيبة أثناء محاكمتهم. ينطبق هذا مثلا على " سلوبودان ميلوسوفيتش" الذي لا يزال له حتى الآن بلطجية موالون في صربيا يرسلون له ملفات الشرطة السرية، التي يمكن أن تساعد في دعم قضيته، ومن الواضح أن عددا كبيرا منهم لا يزالون يخشون جانبه. نفس الشيء يمكن أن ينطبق على القضاة ورجال النيابة والشهود العراقيين الذين يمكن أن يواجهوا الترويع أو ربما ما هو أكثر من ذلك من فلول النظام البعثي.
بالنسبة لرجال النيابة تحديدا لا تعتبر إدانة صدام كشخص فقط هدفا كافيا خصوصا وأن جرائمة لا تحتاج إلى دليل. يحتاج رجال النيابة بدلا من ذلك إلى