يواجه الجدول الزمني الخاص بالتحول السياسي في العراق الذي أعلنت عنه الإدارة الأميركية في شهر نوفمبر الماضي مشكلة عويصة. فعلى رغم أن الركن الأول من الأركان الخمسة لهذا الجدول الزمني – وهو القانون الذي يعّرف الكيفية التي يتم بها اختيار مندوبي المؤتمر الدستوري- لا يزال أمامه شهران تقريبا حتى يتم الانتهاء منه، إلا أن مسؤولي الإدارة الأميركية يعربون عن تشككهم تجاهه من الآن. فهم يتساءلون مثلا عما إذا ما كانت الانتخابات ستؤدي إلى نشوء عراق مسالم ومستقر وديمقراطي، أم أنه من الممكن أن تسفر الفترة التي ستعقب الانتخابات عن حالة من الفوضى العارمة.. أو حتى الحرب الأهلية؟
هناك سيناريوهان للانتخابات التي يمكن أن تسفر عن محصلة مأساوية للعراقيين ولنا: الأول، أن يفوز الشيعة في تلك الانتخابات. والثاني، أن يخسر الشيعة!
فوز الشيعة بتلك الانتخابات يبدو هو الاحتمال المرجح نظرا لأنهم يشكلون ما نسبته 60 في المئة من التعداد الإجمالي لسكان العراق، على رغم أن سنوات القهر التي عانوها تحت حكم " صدام" لم تمكنهم أبدا من تنمية المهارات السياسية في مجال القيادة ، والقدرة على التوصل لتسويات خارج نطاق المساجد.
في الوقت الراهن نشهد بالفعل بدايات شقاق داخل المجتمع الشيعي نتيجة لخروج الخلافات المذهبية والعشائرية والسياسية والأيديولوجية التي طال قمعها إلى العلن. والمواقف الشيعية السياسية بصدد المسائل الرئيسية مثل العلاقة بين الدين والدولة لا زالت غير مبلورة، وتفتقر إلى التحديد والتعريف الدقيق. وليس بنا من حاجة لأن نذكر في هذا السياق أنه بدون وجود قدرة على التوصل إلى إجماع، فإن السجال السياسي يمكن أن يتحول بسهولة إلى عنف.
وهانحن الآن نشهد بروز ظاهرة سياسة المليشيات والصدامات المسلحة بين جماعات الشيعة المتنافسة في الجنوب. وهذا الاتجاه المزعج يحتمل أن يتسارع ما لم تقم القوات الأميركية بالتحرك بشكل حاسم وبقوة ، وهو الأمر الذي يرى الأميركيون أنه يصعب عليهم القبول به، كما لن يقبل به العراقيون أيضا. ومع ذلك، وفي خطوة قد تندم عليها فيما بعد، تقوم سلطة الائتلاف المؤقتة حاليا بمنح موافقتها الضمنية على تشكيل تلك المليشيات، وتتبنى خطة غريبة تقوم على تكوين قوة أمنية مشكلة من خليط من عدة مليشيات.
الأطراف الشيعية الوحيدة المستعدة لتقديم بديل سياسي صلب لسياسة تكوين المليشيات هم رجال الدين أنفسهم. إن مقدرة آية الله العظمى " على السيستاني" على تهميش مجلس الحكم الذي تم انتقاء أعضائه من قبل الأميركيين، يثبت أن زعماء الشيعة ليسوا ممن يمكن أن يطلق عليهم أنهم غير بارعين في النزاعات السياسية الداخلية. بيد أن السؤال هنا هو: هل لدى هؤلاء الزعماء القدرة على السيطرة على المليشيات، وعلى تحويل براعتهم السياسية إلى نوع من البراعة المطلوبة لممارسة الحكم، وتحقيق التوازنات الدقيقة اللازمة للمحافظة على السلام بين طوائفهم، مع القيام في نفس الوقت بمد أيديهم إلى أعدائهم التاريخيين بين السنة والأكراد، ثم القيام بعد ذلك برسم نهج وطني مشترك بينهم جميعا؟ لا اعتقد أننا سنكون محظوظين إلى هذه الدرجة.
السؤال التالي هو: ما هي الطريقة التي ستؤثر بها تلك الانقسامات على الانتخابات؟ إذا نظرنا للمسألة من المنظور العددي، فإننا نقول إن الشيعة لديهم الفرصة لتحقيق نصر ساحق، بشرط أن يقوموا بتوحيد صفوفهم ضمن إطار ائتلاف فاعل. ولكن هل سيقبل السنة والأكراد بهذا النصر الساحق للائتلاف الشيعي، مع ما ينطوي عليه من وعد صريح بإقامة دولة إسلامية؟ لا يجب أن نراهن على ذلك. على العكس يمكن لهذه النتيجة أن تؤدي إلى زيادة قلق السنة وامتداد هذا القلق إلى إطارهم العريض وليس فقط على جوهرهم المتمثل في المتمردين البعثيين. وفي هذه الحالة فإننا لا نستطيع أن نستبعد وقوع تمزق خطير.. بل وحتى حرب أهلية.
إذا ما أخذنا الخلافات والانقسامات داخل صفوف الشيعة في الحسبان، فإن هزيمتهم في الانتخابات تغدو احتمالا واردا. فإذا ما فشل الشيعة في تشكيل ائتلاف في الفترة التي ستسبق الانتخابات، أو ظل السيستاني على عدم رضاه على العملية برمتها، وأدى ذلك إلى مقاطعة شرائح ضخمة من الطائفة الشيعية للانتخابات، فإن ذلك سيتيح الفرصة للسنة لتنظيم حملة انتخابية قوية.
في كلا الاحتمالين أي فوز الشيعة في الانتخابات أو خسارتهم لها.. فإن المحصلة ستكون كارثية حقا، وهي بروز ائتلاف كردي وفوزه في الانتخابات من خلال الحصول على غالبية الأصوات وخصوصا بعد أن نجح الأكراد في تجميع صفوفهم في ائتلاف بين الحزبين المتنافسين أثبت – تحت الحماية الأميركية – قدرته العالية على الأداء، على رغم بروز بعض الخلافات بين الحزبين على السطح أحيانا.
وإذا ما حافظ الأكراد على تكتلهم واستفادوا من خبرتهم السياسية، فإن احتمال فوزهم في الانتخابات قد يصبح احتمالا واردا. وفوز الأكراد في الانتخابات سوف يؤدي مباشرة إلى الحرب الأهلية، لأن السنة العرب والشيعة لن يقبلوا بحكومة يقودها الأكرا