في دولنا العربية نشعر بالعجز عندما نريد أن نشكل حكومة جديدة أو نعين شخصا في منصب حساس والسبب ليس لعدم وجود الكفاءات, ولكن لأننا نبحث عن الكفاءة التي نضمن ولاءها 100% - أو بالمعنى الأصح أننا نبحث عن الذي يوالينا 100% ويمتلك الكفاءة - ويرى البعض في الأمر صعوبة رغم أنه يبدو سهلا إذا ما كنا نبحث عمن يكون كفؤا وولاءه للوطن وليس لشخص أو حزب أو فئة أو قبيلة أو جماعة أو نظرية أو فكر ما... لأنه في هذه الحالات بالتأكيد سيكون العثور على شخص كفء وموال قوي أمرا صعبا.. ويفترض أن يكون صعبا في أي مجتمع طبيعي وهو مؤشر ايجابي فلماذا لا يتم البحث عن الكفاءة والولاء نتركه للوطن وليس لأنفسنا؟ وبذلك نضمن أن تسير الأمور بشكل سليم.
لا أدعي أن اختيار الكفاءة والوصول إليها وفرزها من بين الآخرين أمر سهل, ولكنه في نفس الوقت ليس بالمستحيل كما أنه أفضل من اختيار الأشخاص على أساس الولاء فقط. في المرحلة المقبلة وفي التاريخ الجديد للعالم ستحتاج جميع الدول إلى الاعتماد على الكفاءات وهذا ما يدفع بعض الدول أن تجيب على سؤال مهم وهو هل تركيبتها الحالية تتناسب مع المستقبل؟ وهل ما زالت بعيدة عن دولة المؤسسات... وهل تحول الفكر العام من دولة الولاء إلى دولة الكفاءة تحتاج إلى تحديث سياسي وتطوير للثقافة السياسية؟
بلا شك إن التحول من دولة الولاء إلى دولة الكفاءة هو تحول من الشكل التقليدي للدولة إلى دولة المؤسسات والقوانين وبالتالي تحول الناس من مجرد رعايا تابعين وغير مبالين إلى مواطنين مشاركين وبإمكانهم التأثير والتغير من منطلق تساوي الفرص... وبالتالي حدوث تطور في المفهوم السياسي للمجتمع من شأنه خلق ولاءات جديدة على أسس مختلفة قد تكون أكثر عملية عن الأسس السابقة وأكثر قدرة على النمو والتطور وكذلك ترسيخ الثقة في النفس بين المواطنين وتنامي الشعور بالارتباط اللامتناهي بالوطن والقدرة على استشراف المستقبل.
دولة الكفاءة لا تنفصل عن الولاء فلا كفاءة بلا ولاء والعكس غير صحيح. فالولاء بمفرده لا يمكن أن يوصلنا إلى دولة الكفاءة... عندما نتكلم عن دولة الكفاءة فإننا نقصد دولة المؤسسات ودولة النظام ودولة القانون التي تحترم أسس قيام الدول العريقة... الكفاءة تعني التقيد بالدستور والالتزام بالقوانين السارية وتنفيذ القرارات، والفصل بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة... كما أن الكفاءة تعني أن اختيار الرجال يتم على أساس الشفافية الكاملة وعلى مقاييس النزاهة والقدرة على العمل والإنجاز لا على مقاييس الانتماء والولاء فقط.
والسؤال المشروع الذي لابد وأن يطرح هو هل الأهم أن يكون لدى المواطنين ولاء لمؤسساتهم أم أن الأفضل أن تكون لديهم الكفاءة التي يعملون بها ويخدمون بها مؤسساتهم؟ الإجابة رغم أنها تبدو معقدة إلا أنها بسيطة. فبالتأكيد إن الأساس هو الكفاءة والولاء يأتي بعد ذلك. فقد يكون هناك مواطن بلا ولاء ولكنه كفء وبالتالي ينتج ويخدم مؤسسته في حين أن الموظف الذي لديه الولاء فقط لا يمكن أن يكون بالضرورة كفؤا وبالتالي فان ولاءه فقط لا يمكن أن يخدم المؤسسة أو البلد. والحقيقة الأهم هي أن الولاء هو الوليد الشرعي للكفاءة والعكس غير صحيح, فمن يفتقد إلى الكفاءة من الصعب أن يكون له ولاء للمكان الذي هو فيه وإن كان ظاهريا يبدي أنه موال قوي ولكن يبقى هذا مجرد كلام... ففاقد الشيء لا يعطيه وإذا كان الشخص غير كفء أي أنه فاقد للكفاءة والقدرة على العمل والتميز فهل يمكن أن يعطي الولاء الذي هو أصعب من الكفاءة بكثير؟! بلا شك إن الولاء مطلوب دائما وهو يمكن أن يكون موجودا وبقوة ولكن المشكلة الحقيقية ليست في الكفاءة بل المشكلة في الحصول على من يمتلك الكفاءة والولاء في نفس الوقت.
لا أريد أن اجرد أي إنسان وأي مجتمع من قيمة الولاء الذي نعرف جميعا أنه صفة نفسية مغروسة في قلب وروح كل إنسان ولا يمكن لأي أحد أن ينفصل عنه فهو أمر فطري لا يمكن تجاهله ولكن يمكن تنظيمه وتطويعه بالشكل السليم بدلا من الصورة العشوائية الذي هو عليها اليوم, وهذا ما نتحدث عنه إذا ما تم التركيز في مسألة الولاء على نقاط الإخلاص والجدية في العمل وإنكار الذات وتنفيذ الأوامر والقوة والأمانة بالإضافة إلى الرحمةً، والصبر على أذى الناس، وكذلك عدم الخضوع لحسابات القرابة.
وما يجب أن لا نغفل عنه أن الشخص الكفء يشعر بالانتماء والولاء للمكان دائما لسبب بسيط هو أنه يعمل ونتائج عمله يراها على أرض الواقع وبالتالي يشعر بأنه جزء من ذلك الواقع ومن ذلك المكان ومن الطبيعي أن يولد لديه ولاء للمكان الذي يعمل فيه .أما الذي يدعي الولاء بلا كفاءة فلا شيء يربطه بأي مكان غير الكلام والشعارات, فهو اليوم هنا وغدا هناك... ويبقى الولاء شيئا معنويا لا يمكن اختباره على أرض الواقع بينما الكفاءة مسألة مادية من السهل التأكد منها بناء على العمل الذي ينفذ والنتائج التي نراها.
يجب أن نتذكر دائما أن حسن اختيار الكفاءات هو من علامات البناء الصحيح للمجتمع ولأي مؤسسة، وف