بسم الله، بسم الوطن، بسم حماس، ثم تتطاير الأشلاء وتتناثر الشظايا حاملة معها جسدا بشريا. قمة اللامعقول لكنها غدت لطول تكرارها قمة المعقول، أخبار لكثرة تواردها دخلت في خانة العادة، غدت قاعدة لا استثناء، فمفاتيح الجنة توزعها الجماعات الإسلامية. فالشهادة حلم ولا أجمل، وصكوك غفران القرون الوسطى مازالت تعيد إنتاجها أدبيات المقاومة الاسلامية بما يسمى تطرفا بالعمليات الاستشهادية، وهي عمليات انتحارية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان صادمة للذات الإسلامية. فالله حرم قتل النفس البشرية، وهي عمليات قتل منظمة وإلا ماذا يعني إرسال أجساد فتية إلى حتفها؟ فالغايات النبيلة لاتبررها أنهار الدماء والدموع والمزايدة على الحلال والحرام بضاعة انتهت صلاحيتها وتكرارها هو انتحار وتتساوى بذلك غزوتا مانهاتن وواشنطن، وعمليات المقاومة بالعراق والعمليات في الأراضي المحتلة. فكفى رقصا وتطبيلا لعمليات لانجني من ورائها إلا المزيد من التدهور. فإذا كان إرسال القنابل البشرية مبررا في الوعي العربي كنوع من المقاومة، فإن ماتحمله القلوب لايطلع عليه إلا خالقها، فاليأس من حياة الاحتلال والأمل بحياة الخلود في جنات النعيم وجهان ليسا لعملة واحدة، فهل نملك كبشر أن نساويهما. لاتستقيم الأمور هكذا.
كانت صدمة الأسبوع الماضي أكبر من قدرتي على استيعابها، فالعملية التي استهدفت نقطة عسكرية بين غزة وإسرائيل قامت بها شابة فلسطينية. حتى هنا فالخبر عادي ، لكن هذه الشابة أم لطفلين لايتجاوز اكبرهما الثالثة من العمر. أمٌ تنسف نفسها مع من ساقتهم أقدارهم في تلك الساعة للموت، فمن يستطع أن يبرر عملية حاجز اريتز التي قامت بها ريم الرياشى مفجرة نفسها فقتلت أربعة إسرائيليين وأصيب أيضا عدد من الإسرائيليين والفلسطينيين؟. من يستطع أن يشرح ليتامى ريم مافعلته؟، وبأي وجه حق ترسل أم لتنسف صدرا كان أولى أن يحضن وليدها عوضا عن كلاشينكوف وعبوات ناسفة؟ أعترف لقد هزني الخبر ولم تهزني الواقعة، هي اعترفت في تسجيل أذاعته "حماس" كعادتها "لقد أردت دائماً أن أكون أول امرأة تنفذ هجوماً استشهادياً تتطاير فيه أجزاء جسدي. هذه الأمنية الوحيدة التي كنت أطلبها من الله". لكن ماذا يا ريم عن طفليك؟ لأطفالك عليك حق الحماية والتربية، كما لوطنك المحتل حق. حين يتساءل طفلاك عن حضنك، حين يشتاق زوجك سيقال ضحت بحياتها من أجل وطن محتل، أصبحت رقما وأخذت معها أرقاما بشرية وأصيبت أرقام أخرى، ثم ماذا؟
سجل الطلقة وارتاد صداها أعلنها بفخر الشيخ أحمد ياسين فهي أول امرأة تنفذ عملية انتحارية، ومع كل ما تحمله هذه العملية المشتركة بين"كتائب الشهيد عز الدين القسام" و"كتائب شهداء الأقصى" من دلالات واضحة. وقبل أن تبرد الطلقة الأولى أكد مسؤول كبير في حركة "حماس" خلال جنازة ريم، موضحا أن هذه المرأة " لن تكون الأخيرة، فالمرأة انضمّت إلى جانب شقيقها الرجل في المعركة ضد الاحتلال". لكن من قال لحماس إن معركة استعادة الوطن المغتصب تكون باغتصاب حياة زهرة في الواحدة والعشرين من العمر باسم الجهاد. وبدعوى أن العقبات الإسرائيلية المتنامية تحول دون التي تواجه الانتحاريين من الرجال، فكان إرسال الأمهات هو الحل. لكن من يستطع أن يقول لـ"حماس" أخطأتي التقدير خاصة عندما تنضم إليها حركة فتح، فبسم الله هذا وطني المحتل، وهذا جسدي فداء.
أعترف أنني أخطأت في تقدير "حماس" سابقا، لكن العملية الأخيرة أثبتت بما لايدع مجالا للشك بأن "حماس" حركة تقدمية فالمساواة بلغت أوجها حتى بالموت. المقاومة لها طرق متعددة، والشجاعة ليست بالهروب للآخرة بحزام ناسف إنما مواجهة الواقع بمتطلبات الواقع، ولسنا هنا بصد حديث إنشائي عن حب الوطن, فالفلسطينيون أولى بالكلام، ولانجادل في شجاعة المقاومة لكن للمقاومة مسارات وخيارات والسياسة لعبة لها قوانينها والتلاعب بالمقدس والديني هو الأخطر. فتاريخيا كانت الحروب الدينية أعنف الحروب. لكن تأبط حزم ناسف بكل مافيه من شجاعة لايقدم غير المزيد المزيد من الضحايا على قائمة شهداء العنف والعنف المضاد لتبقى العجلة تدور.
ماذا ستقول "حماس" لأيتام ريم عندما يسألون لماذا هي؟ ومن يحاسب المنظمات الفلسطينية على لائحة الأجساد المفخخة التي سرعان ما تنضم للائحة الشهداء؟ لا نسمح ولن نسمح لـ"حماس" أن تطرز خريطة الوطن المحتل بأجساد الصبايا الفلسطينيات، أوقفوا الانتحار باسم الدين.