العمليات الإرهابية التي يقوم بها بعض من جيوب "المقاومة"، كما يطلق عليها البعض، أمر متوقع ويجب أن لا يعطى أكثر من حجمه الحقيقي. هناك تحول في المزاج النفسي العراقي، فحكم صدام لعقود طويلة ترك أثره في الشخصية العراقية وهذه حقيقة تاريخية عانت شعوب منها. فعندما كتب توفيق الحكيم كتابه "عودة الوعي" بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، قال فيه إن الحقائق التي تكشفت أيقظته من سبات طويل، ومن المؤكد أنه ليس هناك وجهة مقارنة بين عبد الناصر وصدام حسين، وإنما ما نقصده انكشاف قوة الدولة البوليسية التي حكمت البلاد العربية، واستطاعت أن تبث الرعب وتعطل إبداعات الإنسان.
الشارع العراقي يكتشف يوما بعد يوم أنه أكثر استعدادا للخروج من أرض عدم اليقين إلى أرض الواقع العملي، بلا أوهام وشعارات، وبالتأكيد بلا زعيم مستبد. ومن شأن هذا أن يسحب البساط من تحت أقدام الخلايا التي تقوم بعمليات التفجير والقتل بهدف إفشال التحول الديمقراطي.
سلطة التحالف عليها دور كبير في اتخاذ قرارات سريعة واستثمار لحظات التحول في داخل العراق، فهناك مستقبل جديد بيد العراقيين القادرين، على طوي صفحة الماضي.
الأمر الآخر يتعلق بسياسة مجلس الحكم العراقي وسلطة التحالف في شأن محاكمة صدام، فالمحاكمة يجب أن تكون محاكمة تاريخية يحاكم فيها كل الدكتاتوريين في العالم، ويمكن لوقائع المحاكمة أن تتحول من نقطة جذب لالتقاء كل القوى في العراق إذا ما تم بثها على شاشات التلفزة. أمر في غاية الأهمية أن تعمل السلطتان في العراق على بحث وقائع المحاكمة وشهادات الضحايا الذين ذاقوا الأهوال بواسطة النظام البائد وشهادة مساعدي صدام نفسه ممن قبلوا بالشهادة ضده. كل ذلك يمكن أن يتحول إلى مشاهد حية تكشف للعراقيين والعالم كيف كانت عصابة صدام تحكم العراق، بل إن مشاهدة هذه المحاكمة ستجعل من الشعوب العربية تدرك حقيقة الحكم في العراق وأن تحرر شهادة وفاة رسمية لحقبة مؤلمة في تاريخ البلاد العربية.
صدام حسين كما قلنا دائما إنه نبت شيطاني. فتحت راية التحرير ومحاربة الاستعمار استطاع صدام وغيره من زعامات عربية اجهاض قدرات المعركة واشغالها بقضايا جانبية. رايات الحرية التي رفعت في تلك الحقبة حفظت أنظمة شمولية بوليسية بالغة العداء للديمقراطية والحريات العامة. بل حولت دولهم إلى جمهوريات وراثية. انفراد الحاكم بالسلطة أدى إلى كوارث كبرى يدفع ثمنها الإنسان، كما حدث في حرب صدام مع إيران وحربه في احتلال الكويت. التداعيات مازالت أمامنا ماثلة من الأحداث التي زجت بالمنطقة العربية بأزمات خانقة سقطت فيها كثير من شعارات دعاة الحرية والوحدة.
العالم الجديد يحمل لنا تحديات عظمى، قد تحدث بإرادتنا الحرة وقد تحدث بضغوط خارجية، قد يكون بعضها مفيدا أو قد يكون عكس ذلك. هناك ظروف دولية علينا الاستفادة منها في إحداث التغيير السلمي في المنطقة. حالة العراق مثال يجب الاستفادة منه وعدم التهاون في فهم تداعياته. فهناك قضايا ملحة يجب البدء فيها.الإصلاحات السياسية وتحديدا الحريات العامة وحكم القانون والقضاء على الفساد والاستبداد والاستفراد في السلطة أمور ملحة ومهمة للإنسان العربي.
ما يحدث في العراق علينا أن نعتبره بداية لمرحلة جديدة، ينتهي بها الاستبداد الذي حكم المنطقة العربية لقرون عديدة، كما على القوى الواعية تحمل مسؤولياتها التاريخية حيال التحولات التي يشهدها عالم اليوم.