يعقد سنويا الكثير من المؤتمرات والندوات محليا وخارجيا، الا ان المؤتمر التاسع والذي نظمه مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بابوظبي في الاسبوع الماضي، تحت رعاية سمو الشيخ محمد بن زايد، نائب ولي العهد ورئيس المركز، كان مميزاً، سواء من ناحية مادة المؤتمر التي دارت حول التحديات المستقبلية التي تواجه منطقة الخليج او سواء بمستوى المحاضرين والمشاركين في المؤتمر.
وفي الجانب الاول والخاص بمادة ومواضيع المؤتمر، فقد طرحت العديد من القضايا الساخنة، كالاصلاحات السياسية والاقتصادية والعلاقات الايرانية الخليجية والوضع في العراق والتواجد العسكري الاجنبي في منطقة الخليج، حيث تحدث في هذه وغيرها من المواضيع متخصصين ومتخذي قرار من مختلف الاتجاهات الفكرية والمستويات الادارية.
وضمن العديد من المواضيع الهامة والحساسة طرح سمو الشيخ عبدالله بن زايد، وزير الاعلام والثقافة في ورقته قضية مستقبلية هامة تتعلق بالتعليم وقارن بالارقام مستويات الانفاق على التعليم في دول المنطقة وفي البلدان المتطورة.
كما تطرق سمو الامير تركي الفيصل للتواجد الاجنبي في العراق وتداعياته وانعكاساته على مستقبل منطقة الخليج والشرق الاوسط ككل.
اما السيد جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني السابق، فقد طرح مسألة ذات ابعاد سياسية واقتصادية وإنسانية ، عندما ذكر من انه في الوقت الذي نحارب فيه الارهاب، فانه لا بد لنا من محاربة الفقر، المنبت الاساسي للحركات المتطرفة بكافة اشكالها.
وساوى السيد محمد على ابطحي، نائب الرئيس الايرانـي للشئون القانونيـة والبرلمانيـة بين المتطرفين من كافة الاتجاهات، ودعا الى التسامح والمساواة، معبرا في ذلك عن خطاب ايراني جديد اكثر مرونة من الاطروحات السابقة الخاصة بتصدير الثورة.
اما الجنرال المتقاعد انتوني زيني، القائد السابق للقوات الامريكية في المنطقة، فقد تحدث بصراحة تصل الى حد الاستهتار، مبررا العديد من القضايا التي ربما لا تجد قبول تاما في المنطقة على المستويين الرسمي والشعبي، قائلا من ان ادارة الرئيس بوش الابن كانت تنوي في بداية عهدها التقليل من التواجد العسكري الامريكي في العديد من مناطق العالم، بما فيها الشرق الاوسط، الا ان احداث 11 سبتمبر قلبت هذا التوجه رأساً على عقب، واتخذت الادارة منذ ذلك الحين اجراءات معاكسة تماما، وذلك حفاظاً على المصالح القومية للولايات المتحدة.
امور وقضايا كثيرة وحساسة، الا ان ما تجدر الاشارة اليه من خلال الامثلة السابقة هو النجاح الذي حققه مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من خلال جمع كل هؤلأ المتحدثين ومتخذي القرار بافكارهم المتعددة والمتضاربة في احيان كثيرة تحت سقف واحد وبهامش حرية عال للغاية، مما اعطى نكهة خاصة للمؤتمر والذي استمرت اعماله من التاسعة صباحا الى التاسعة مساء تقريبا دون ان تنخفض اعداد الحاضرين على مدى ايام المؤتمر الثلاثة، مما يعد حدثا استثنائيا للمؤتمرات والندوات العربية من جهة ويعكس اهمية مواضيع المؤتمر وحرص الجميع على متابعتها من جهة اخرى.
رغم حدة المواضيع المطروحة وحساسيتها الا ان المداولات وتبادل الاراء سارت بصورة مرضية وبعيدا عن التعصب وارتفاع الاصوات الذي يميز حوارات القنوات الفضائية، فالرأي والرأي الاخر كانا مسموعين بتفهم وبمستوى راقي من الحوار البناء.
لقد شكل نجاح المؤتمر مؤشرا هاما الى امكانية نجاح الحوار بين مختلف الاطراف والى وجود امكانيات حقيقية لحل المسائل والخلافات العالقة بصورة سلمية بدل من اصوات الرصاص والاسلحة الفتاكة، خصوصا وان الجميع عبر عن استعداده للدخول في مثل هذا الحوار والذي يمكن ان يوفر مئات الالاف من الارواح البشرية وتوجيه موارد المنطقة للبناء والتنمية ومحاربة الفقر.
اما الخلاصة الهامة التي خرج بها المؤتمر من خلال المداولات الراقية التي جرت بين مختلف الاتجاهات، فانها تكمن في ان حوار الحضارات يمكن ان يكون بديلا انسانيا لنظرية صراع الحضارات.